بات لزاماً على بعض المحيطين به أن يعيدوه إلى أرض الواقع: اسمك جوزف عون، لا كنعان إيفرِن
«لا أحد يحق له التدخل برسم سياسة الجيش». ومن هذا المنطلق، سيستمر بتلقّي الهبات «من الجيوش والدول الصديقة»، لأنه «لولا هذه المساعدات، لكان الوضع أسوأ بكثير»، لجهة «الحفاظ على جهوزيتنا العملانية». وحده يرسم السياسة، ووحده يحدّد الجيوش الصديقة التي يقبل منها الهبات، ولو من دون المرور بأي آلية قانونية ودستورية، ومن دون أي وصاية من وزارة الدفاع أو مجلس الوزراء.
ليست اللهجة الانقلابية وحدها ما ميّزت خطاب «القائد». ففي سياق ترشّحه للرئاسة، أظهر ميلاً حادّاً نحو اختراع عدوّ وهمي. وهذا العدوّ، الداخلي طبعاً، يشنّ «حملات متواصلة، إعلامياً وسياسياً» بهدف «ضرب الجيش وفرطه»! من المفهوم، والمنطقي أيضاً، أن يلجأ قائد أيّ جيش، وفي إطار الحفاظ على ما يُسمّى «معنويات العسكر»، إلى الرد على أي هجوم تتعرّض له المؤسسة التي يقودها. لكن في بلاد يُبالِغ فيها الإعلام والساسة ورجال الدين والمال بمديح الجيش، واختراع أساطير وإلصاقها برأس الهرم فيه، وإسباغ صفات الحكمة والشجاعة والوطنية على أيّ قائد للجيش، ويقبل فيها وزراء دفاع كثر أن يكونوا مجرّد حاملي أختام للقائد، ويرتضي فيها المجلس النيابي الامتناع عن مساءلة حامل رتبة عماد عن أيّ صغيرة أو كبيرة... في بلاد كهذه، يصعب تفسير كلام الجنرال جوزف عون عن حملات هدفها «فرط الجيش». هذه تهمة شديدة الخطورة، وتوجب ملاحقة هؤلاء المتآمرين الخونة، الذن يريدون فرط المؤسسة العسكرية. من واجب قائد الجيش إبلاغ السلطة السياسية بما لديه من معلومات، عن مخطط «فرط الجيش»، والتحرك لضرب هذه المؤامرة، ولو اقتضى ذلك إعلان الحرب. لكن، في الواقع، ما يضيق به صدر القائد، هو أداء مؤسسة إعلامية واحدة، وعدد من الإعلاميين لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، لا يمجّدون شخصه ليل نهار، وينتقدون بعض أدائه، ويثيرون القليل القليل من القضايا التي يجب عليه أن يوضحها للناس. الرجل الذي يضع نصب عينيه كرسي بعبدا، لا يحتمل أيّ اعتراض على أفعاله كلها، فيما هو يزعم في مكتبه أنه يرحّب بأي انتقاد له كما «نشر أيّ ملف فيه ارتكاب في الجيش». خلاصة الأمر أن القائد يريد أن يكون فوق المساءلة. المساءلة السياسية كما المساءلة العامة عبر الإعلام. على طريقة الانقلابيين، حيث للجيوش قدرة على انتزاع الحكم ساعة يريد قادتها، يبدو أن جوزف عون اقتنع بقدرات «خلاصية» له، ولا يُسمح لأيّ كان بأن يخدشها ولو بكلمة.
بات لزاماً على بعض المحيطين به أن يعيدوه إلى أرض الواقع. أنت في لبنان عام 2021، لا في تركيا 1980. اسمك جوزف عون، لا كنعان إيفرِن.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا