المجموعات لم تر ضرورة لتقييم فشلها أو الاعتراف به أو أقلّه مصارحة الذين وثقوا بها
في الأشهر الأخيرة، بات الحراك ممثلاً بنحو 10 موتورين يحدّدون بأنفسهم من هو الخائن والفاسد، ومن النظيف والمحظي. تماماً كما آثر البعض وسم الثورة بالـ«هيلا هو» لتوجيهها ضد فريق واحد من دون غيره. جرى الأمر وفق معايير وأجندات مشكوك بها ولا تمثل إلا أصحابها، لكن غياب الأحزاب الحديثة الولادة سمح لهؤلاء بقيادة الشارع وإفقاده صدقيّته وتغليب شعاراتهم على برامج العمل الحقيقية. صار الكيل بمكيالين ميزة، ومن ينتقد أداء أي «ثائر» عميلٌ للسلطة. حتى إن البعض انطلق الى تعريف جديد عند حديثهم عن شخص ما، فإما هو «معنا بالثورة» أو «زبالة». تجري الغربلة هنا وفق تفصيل دقيق: مع «14 آذار» إذاً «كلاس» وثورجي بالفطرة، مع 8 آذار يعني «شرشوح». ومنذ مدة استعيدت عبارات ثورة الأرز في نقاشات المجموعات، كالتركيز على أن البلد مخطوف وأن الانهيار المالي وفقدان الدولارات سببها حزب الله وأن مليارات الكهرباء سببها جبران باسيل والعهد. يخرج سمير جعجع ليعلن قيادته الثورة ويعطي التعليمات ويخطف التحرك، فلا يجد ولو «ناشطاً» واحداً يردّ عليه ويقيم الدنيا على وسائل التواصل لساعات فقط. أما لو كان هذا الكلام صادراً عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أو رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أو رئيس الجمهورية ميشال عون أو أي عوني في أي جرد من جرود الجبل أو البقاع، لكانت ضجّت حسابات «الثوار» لأيام شماتة به مع رزمة شتائم بالطبع. يمكن وليد جنبلاط أن يطلق العنان لنفسه للتحدث من دون مواربة عن «الثورة» وعمّا يتمنّاه. لن يجد من ينتقده، بل سيجد من يرفعه على الأكف، فيما يحيّي الجماهير من سيارته الفارهة. ويمكن لجماهير تيار المستقبل التفنّن في شتم النساء في إحدى المسيرات من دون أن يلاقوا من يرفع الصوت بوجههم. كل هذا مشروع، فثورة البعض لم تكن يوماً ضدّ هؤلاء، لا ضدّ «الترويكا» ولا ضدّ الحريرية الاقتصادية ولا ضدّ سرقة المال العام أو ودائع الناس. البعض انتفضوا حصراً لأنّ «البلد مخطوف»، والخاطفون تحدّدهم الجهات الداعمة. صمت المجموعات عن هذه الإساءة لتحركها وجهودها قبل الناس التي لبت دعوات لاحقة منها لملاقاتها الى الشارع، قاد الى عدم الثقة بها. شعار «كلّن يعني كلّن» كان مجرد واجهة براقة للحشد. المفارقة أن الحشود تفرقت عندما اكتشفت زيف هذا الشعار، ولأسباب أخرى طبعاً. فهي سريعاً أيقنت أن مطالبها لا تعني الغالبية، فيصبح الاعتصام أمام مصرف لبنان عنواناً مفرقاً، وتكسير المصارف التي سرقت أموال الناس عمل همجي ومستنكر، في حين أنّ قطع الحزبيّين للطرقات على المواطنين العزّل قمة الديموقراطية. المجموعات المنشغلة بنا، نحن الصحافيين، إن أخطأنا عرَضاً في التعريف عن «درابزين» نتيجة مئات الدرابزينات التي نمت في خلال أشهر من دون فائدة، لم تر ضرورة لتقييم فشلها أو الاعتراف به أو أقلّه مصارحة الذين وثقوا بها. لماذا عجزت الغالبية عن إنتاج برنامج سياسي واضح أو الانتقال الى تشكيل حزب سياسي ينافس الأحزاب البالية؟ لماذا غاب الناشطون عند الحاجة إليهم في ملفات حيوية تناقشها السلطة كمصير البلد الاقتصادي ووجهته المالية؟ في الذكرى الأولى للفرصة الضائعة، على أحد ما أن يخرج ليصارح من أعطوه الثقة من خارج أيّ استحقاق انتخابي، أن 17 تشرين باتت مجرد ذكرى سنوية جميلة، وأن المجموعات نفسها تعيش على «النوستالجيا»، فوجدت ما يمكن فعله اليوم، «احتفالاً بالذكرى»، ولكنه سيتعذّر عليها أن تجد نشاطاً أو عنواناً واحداً يُنزلها الى الشارع في 18 تشرين الأول 2020.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا