فوضى وارتباك وتخبّط. هكذا يمكن اختصار سلوك إعلام العدو الإسرائيلي، أثناء اعتداء جيشه على الأراضي اللبنانية عصر أمس. على مستوى السخرية الجماهيرية قد يصلح إسقاط شريط مضحك على ما حدث؛ وهو شريط يتناقله اللبنانيون في ما بينهم من طريق الهزء، ويدور حول شخصٍ يرسل على ما يبدو تسجيلاً صوتياً لأحدهم يقول فيه: «حسن قاسم، بتقلك عمتي، بتقلك خالتي...». في رسالة لا يُفهم منها ما المقصود وإلى من يتحدث المرسل وما هدفه بالضبط من الرسالة.مثل هذه الرسالة المضحكة على ضحالتها، كانت أخبار القنوات ومحطات التلفزة والمواقع الإلكترونية العبرية، التي وللمرّة الأولى قد يظهر بعض اختلاف في صياغتها للأخبار الأمنيّة والعسكرية التي عادة ما تبدو أقرب إلى بيانٍ جرى نسخه ولصقه بعدما «قصقصته» الرقابة العسكرية. بعض هذه الوسائل ظل ينقل حتى أول من أمس عمّن يسميه «مصادر أمنية» ما مفاده أن «النشر المكثف في وسائل الإعلام حول نقل التعزيزات العسكرية إلى الشمال قد دفع بحزب الله إلى تعليق قراره بالرّد والهجوم المتوقع لاستهداف جنود اسرائيليين رداً على مقتل أحد عناصره في غارة قرب مطار دمشق».
موقع «والّا» الذي نقل هذه الخلاصة الموقّعة باسم محلّله العسكري أمير بحبوط، كان نفسه من أوائل «المبشّرين» أمس بـ«تنفيذ حزب الله تهديده ضد أهداف إسرائيلية» في سياق نقل الخبر العاجل الذي ظهر على المواقع العبرية كافة بصيغة: «حدث أمني في مزارع شبعا»، قبل أن يُلحق بـ«وقوع اشتباكات بين جيش (العدو الإسرائيلي) وحزب الله».
أحد الإعلاميين «المتحمّسين»، كان أور هيلر، المراسل العسكري «للقناة الـ 13» الذي قال في رسالته التلفزيونية إن «الجيش يؤكد استهداف خلية لحزب الله واغتيال الخلية كاملةً»، معلناً أنه «(الجيش) أحبط محاولة تسللهم إلى الشمال». رسالة هيلر لم تمضِ عليها دقائق حتى «باغتها» بيان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، والذي لا يقل تخبّطاً عن رسالة هيلر، إذ قال إن «الجيش أحبط عملية تسلل في منطقة جبل روس، وتمكّنت القوات من تشويش عمليّة خططت لها خليّة من حزب الله مكوّنة من 3-4 مخربين... لقد تم فتح النيران نحوهم وتشويش مخططهم، لا نعرف وضعهم الصحي».
خاتمة بيان جيش العدو (لا نعرف وضعهم الصحي)، جاءت خلافاً لرسالة أخرى صدرت في البيان ذاته، وهي طلب الجبهة الداخلية من سكان الشمال العودة للروتين الحياتي وفتح الطرقات. اللافت أن درجات التخبّط كانت حتى بين مراسلي القناة نفسها (القناة الـ 13). فمثلاً، محلل الشؤون العسكرية والأمنية، ألون بن دافيد، قال إن «الجيش أحبط عملية تسلل لمجموعة من (المقاومين)، والمجموعة عادت إلى لبنان». وهو خبر نفى بشكل مطلق ما قاله هيلر في وقت سابق حول اغتيال أفراد المجموعة كافة.
ما يدعو ربما إلى الاستغراب هو الرسالة التي عاد وقدّمها هيلر في نشرة الأخبار المسائية؛ إذ قال ما مفاده إن «مجنّدة إسرائيلية حديثة العهد بالجندية، عمرها 19 عاماً، وصلت منذ مدّة إلى القاعدة (العسكرية في مزارع شبعا)، وكانت في المراقبة، وقد لاحظت مجموعة مسلّحة وجرى ما جرى». وهي حادثة كانت مرجّحة لأن تقود إسرائيل إلى حرب مفتوحة ربما بفعل «خيالات» تراءت لتلك المُجنّدة. في النشرة المسائية ذاتها، وبينما كانت القناة تستضيف وزير الأمن السابق، نفتالي بينت، رفض الأخير التعليق على الحادثة بحدّ ذاتها قبل أن تحرجه المذيعة فقال إنه «لا يريد توزيع العلامات» (المدرسيّة) أو (الصكوك)، ليستدرك «أنا أعرف قائد الأركان (أفيف كوخافي) وأثق به وبالجيش. أنا أعرف تلك المنطقة جيداً (المكان الذي رأت منه المجنّدة ما رأته) أحياناً يتحرك هناك شيء ما وتظن أنه حركة غير طبيعية».
حصلت كل هذه «الحفلة» في أروقة الإعلام الإسرائيلي، وقد بدأها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالقول إن ثمة «حدثاً أمنياً غير بسيط»، قبل أن يعقد اجتماعاً في «الكرياه» مع وزير الأمن، بيني غانتس، فيما كان رئيس الأركان، كوخافي، مجتمعاً مع قائد المنطقة الشمالية في «البئر» في مدينة صفد المحتلة، متابعاً «الحدث غير البسيط من هناك». والذي اتضح أنه بالفعل لم يكن بسيطاً، إذ كما تشير الوقائع افتعل الجيش الإسرائيلي حرباً مع «الخيال»!
اللافت أنه حتى بعد مضيّ وقت على بدء القصف على مزارع شبعا وتضرّر أحد البيوت السكنية اللبنانية، في بلدة الهباريّة، لم تكن الصورة قد اتضحت بعد في وسائل الإعلام العبرية، بل إن بعضها راح في اتجاه مختلف كلياً، ولم يُشر إلى اشتباك أو إحباط محاولة تسلل، بل إلى استهداف آلية عسكرية بصاروخ مضاد للدروع، كما نشرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، وموقع «ماكو» العبري.
«في القناة الـ 13 (المقاومون) ماتوا... وفي القناة الـ 12 كانت عملية الإحياء»


أمّا التقرير الذي أورده موقع «واي نت» التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، تحت عنوان مقتبس من فحوى بيان الجيش، فانهالت عليه التعليقات والردود من القرّاء الإسرائيليين، وتراوحت أسئلتهم وتعليقاتهم بين «كيف بحق الجحيم استطاع هؤلاء (المقاومون) العودة إلى لبنان؟» أو «حزب الله أصلاً لم يكن هناك... الجيش عمل قصة من لا شيء»، أو «هذه المرّة الثانية التي لا تصيب فيها إسرائيل مخربين حتى لا تُغضب نصر الله»، ومن بين أكثر من 150 تعقيباً سأل أحدهم «منذ متى يهرب حزب الله؟»، فيما سخر آخر: «في القناة الـ 13 ماتوا (المقاومون) وفي القناة الـ 12 كانت عملية الإحياء»، في إشارة إلى تضارب الأنباء. في حين علّق أحدهم: «يطلقون النار ولا يصيبون... عار!».
في المحصّلة، من أين يستقي الإعلام الإسرائيلي أخباره العسكرية والأمنية؟ ولماذا كان متخبّطاً إلى هذا الحد أمس؟ ثمة إجابة لا تتطلب تفكيراً معمّقاً. الجيش يزوّد الإعلاميين بالأخبار، ويحدد ما هو مسموح نشره، وما هو ممنوع. وحقيقة كون المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية هي مصدر أخبارٍ كهذه في العادة، فإن أداء الإعلام يكشف أن مَن كان في الميدان كان أكثر تخبّطاً بكثير من المراسلين والإعلاميين.



من سرق سيارة المستوطن؟


في تغريدة بدت لافته ومثيرة للضحك، نشرها المراسل العسكري لـصحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوسي يهوشوع، على صفحته في موقع «تويتر»، قال: «الضابط الرفيع المستوى الذي أخذ سيارة الجيب من أحد مواطني الشمال حتى لا يتمكن حزب الله من التعرّف على سيارته، يستطيع إعادتها (إعادة الجيب للمواطن)».
على التغريدة التي حظيت بكثير من التعليقات والإعجابات كان بعض الردود المستهجنة مثل: «ماذا؟ إذا كان حزب الله قادراً على التعرّف على رقم السيارة ونوعها، فهو قادر حتماً على معرفة من بداخلها. هذا الضابط لم يرد أن تُصَب سيارته، ولكن من المثير للاهتمام معرفة «الأهبل» الذي وافقه على إعارته الجيب».
فيما علّق آخر: «ما فعلته هُنا هو ليس سبقاً صحافياً، هذا تقديم خدمة للعدو»، كما أضاف أحدهم «ما رأيك في أن تقول لهم ما نوع الجيب؟». ووصف معلّق آخر يهوشوع بـ«المخرّب».