لم يكد رئيس الحكومة سعد الحريري ينهي تلاوة رزمته «الإصلاحية»، حتى صعد أحد قيادات الحزب الشيوعي اللبناني إلى تظاهرة النبطية، ليحسم خيار القوى الوطنية واليسارية والمجتمع المدني برفض فض التجمع الشعبي الذي نظم أمس لليوم الخامس على التوالي أمام سراي المدينة. بعد خطاب الحريري، كما قبله، لم تخفض أصوات المكبرات التي استمرت ببث الأناشيد الثورية حتى ساعات الليل الأولى في التجمعات الاحتجاجية الثلاثة المستمرة في المنطقة أمام السراي وعند دوار كفررمان وأمام جسر حبوش. وكما كان مقرراً منذ الصباح، جابت الحشود شوارع المدينة كما فعلت كل مساء في الأيام السابقة، قبل أن ينتقل القسم الأكبر منها للالتحاق بالاعتصام المفتوح عند دوار كفررمان. واستجابة لطلب الجيش، وافق منظّمو تجمع حبوش على فك خيمة الاعتصام وفتح أوتوستراد النبطية – الزهراني. اللجنة التنسيقية لحراك النبطية التي تشكلت أمس، أعلنت التزامها بما تقرره قيادات الحراك في جميع المناطق في ما يخص خطة عمل الفترة المقبلة. ميدانياً، سيتحول الاعتصام المركزي النبطاني إلى دوار كفررمان الذي سيفتح أمام حركة السيارات. ورغم إدراك القوى الوطنية واليسارية للتراجع التدريجي لعدد المشاركين في الحراك منذ الآن فصاعداً بعد فتح المحال واستئناف عمل المؤسسات والمدارس والجامعات، لكنها توقن بأنها أسّست لمستقبل مختلف في مدينة عاشوراء. ليس الاختلاف بالأغاني التي صدحت ولا الأجواء الحماسية المختلطة، بل بتحرير الصوت المعارض من المجالس المغلقة. فلم تؤدّ مظاهر الترهيب والتخويف المسلحة والاعتداءات التي مارسها مناصرون لحركة أمل بين ليل الجمعة وظهر السبت الماضيين إلى «ضبضبة» الثوار. منذ صبيحة السبت، تضاعفت أعداد المشاركين، ما أجبر «أمل» على إلغاء المسيرات الجوالة التي نوى عدد من مناصريها تنظيمها في محيط التجمعات الثلاثة يومي السبت والأحد، وأمام مبنى الحسينية أمس. أما حزب الله، فقد تولى مهمة حماية التجمعات ومسيرات المتظاهرين، منعاً للاحتكاك. لكن المتظاهرين في النبطية واجهوا أمس أسلوباً مختلفاً يهدف إلى التشويش عليهم. فقد سجلت مشاركة ناشطين من أبناء منطقة النبطية ممن يصنفون في خانة «شيعة السفارات» وآخرين من حزب سبعة، فضلاً عن حضور سريع للعميل مروان فقيه، الأمر الذي أحدث بلبلة بين المشاركين حسمت سريعاً بطرد من وصفوا بـ«الدخلاء»، وتوّجت بإحراق العلمين الأميركي والإسرائيلي رفضاً للاتهامات التي توجّه للحراك بتلقّي أموال من السفارات.
أحرق العلمان الأميركي والإسرائيلي رفضاً للاتهامات بتلقّي أموال من السفارات

صور أحرقت صباحاً العلم الإسرائيلي رداً على الاتهامات نفسها. أما في المساء، فقد فتح دوار الاستراحة والكورنيش البحري لاستقبال الحشود التي تقاطرت بعد خطاب الحريري. «باقون هنا»، حسم الشيوعيون وناشطو المجتمع المدني مصير تحركهم الذي سينحصر لاحقاً على الكورنيش البحري لفتح الطريق حول الدوار أمام حركة السيارات. في الشكل، سينكفئ الحراك الذي جمع أكثر من عشرة آلاف شخص في الأيام الماضية، لكنه ترك أثراً عميقاً في مدينة الإمام موسى الصدر. التزم المتظاهرون بتمنيات الحركيين بعدم التعرض لشخص الرئيس نبيه بري وعائلته، لما يشكله من استفزاز لأنصاره. وإن غاب آل بري عن الحناجر، لكن الجدران واليافطات حفظت شعارات غير مسبوقة ضده، فيما التحرك المسلح الذي قام به مناصروه، تحول إلى مادة خلافية داخل الحركة. قيادات عديدة تبرّأت ممّا حصل، ملقية بـ«اللوم على قيادات حركية أخرى أثارت الرأي العام ضد بري في هذا الظرف الحساس». أما أوساط بري نفسه، فقد حمّلت ما جرى من مظاهر مسلحة واعتداء على المتظاهرين وإحراق استراحة صور السياحية للجيش والقوى الأمنية «التي كان عليها أن تقمع التجاوزات من أي طرف صدر».
ما شهدته صور السبت، تكرر في بنت جبيل مساء أمس أمام مبنى السراي الحكومي. اختلفت الروايات حول أسباب تعرض محازبين ومناصرين لـ»أمل» للمشاركين في التجمع الاحتجاجي قبالة السراي. رواية أفادت بأن بعض المتظاهرين حاولوا اقتحام السراي، فصدّهم عناصر الحركة، فيما أكدت رواية أخرى أن العناصر اعترضوا على بثّ الأغاني عبر مكبرات الصوت. مصادر المتظاهرين أعلنت فضّ حراك بنت جبيل.
على وقع المعارضة الجنوبية، عقدت أمس قيادتا الحزب و»أمل» في الجنوب اجتماعاً في مكتب الحزب في النبطية. وفي بيان صادر عن المجتمعين تأكيد أن «الحراك الشعبي العفوي والصادق عبّر عن وجع الناس»، منبّهاً «الجميع بأن يبقى بعيداً عن بعض الأحزاب التي كانت في السلطة لعقود وتحاول أن تحرفه عن مساره».