عاد طلاب الجامعة اللبنانيّة إلى الساحات. هذا ما يمكن استنتاجه من يوم المظاهرات الطويل أمس. وعَودتهم ليست تفصيلاً، لمن يعرف حجم التأثير والضغط اللذين مارسهما الطلاب في الشوارع، قبل الحرب اللبنانية وقبل بدء النظام بضرب جامعتهم. تحرّكهم الذي دعوا إليه اليوم، يُمكن الرهان والبناء عليه.«تحيّة لكم من طلاب الجامعة اللبنانية»، صدح صوت الطالب من فوق «بيك آب» يحمل مكبّرات الصوت، ليعلوَ الهتاف. تابع: «نحن من أولاد الفقراء. نحن من الجامعة التي أذلّها هذا النظام السياسي، نُريد استقلاليّة جامعتنا عن هذا النظام وإسقاط رموزه»، ليرتفع الهتاف من جديد. طالب الجامعة الوطنيّة، دعا باسم رفاقه جميع الطلاب الموجودين في الساحات إلى التجمّع، الحادية عشرة قبل ظهر اليوم، في حديقة الإسكوا، للإنطلاق بمسيرة موحّدة لتحقيق المطالب. وحديقة «الإسكوا»، برمزيّتها في قضيّة المعتقلين في السجون، فُتحت أمس أمام العامّة والأطفال للمرّة الأولى منذ مدّة طويلة. البلوكات الاسمنتية التي تحيط بالمبنى لا تزال مكانها بخلاف وعد المنظّمة بإزالتها، لكنّها تحوّلت إلى لوح رسم عليه المتظاهرون أبرز شعارات ثورتهم.

(مروان طحطح)

طلاب الجامعات الخاصة حضروا أيضاً بلافتات تشير إلى أي جامعة ينتمون. طالبة ماجستير في الجامعة الأميركيّة، تريد أن توضح أن «صحّ أهلي مرتاحين، لكن من قال إنّني سأستطيع تأمين معيشتي لاحقاً. جئت أطالب بحقوق باقي الشباب بالدراسة». مجموعة من طلاب الطبّ في جامعة بيروت العربيّة، نزلوا بزيّهم الأبيض والكمامات، حملوا شعاراتهم ومنها «إملأ الوعود بالفراغ المناسب». عُمر، سنة ثالثة طب، يعلّّل سبب مشاركتهم: «كرمال نكمّل مستقبلنا هون، مش مضطرين نهاجر لنكفّي اختصاص ونشتغل، بدنا بلد يشبهنا».
من داخل أحد المحال المهجورة التي فتحت واجهاتها بفعل الشغب، جلس ماركوس على الواجهة> يقول «هذا نادي بودابار القديم، نشعر أننا استعدنا أملاكنا العامة». بجانبه، تعلّق هَيا «هذه الأرض لنا ولازم نستردّها. من 2005 أنزل إلى المظاهرات، وثورتنا يجب أن تكون أولاً لاسترداد أراضي سوليدير التي سُلبت من أهلها». وتضيف «أنا مع الشغب، والكتابة على جدران المحال لأنها ملك الناس. أما مطلبي الثاني فهو سقوط الرأسماليّة ونظام المصارف».
«وين فينا نقدّم الـCV (السيرة الذاتية) على سكك الحديد»، حملت ليا مُقبل لافتتها من المتن ونزلت بها إلى الاعتصام، ليس لأنها بلا وظيفة لكن «لأن معاشي لا يكفيني لآخر الشهر، وفي ناس ما بتشتغل من الأساس». الطبيب محمد نزل مع عدد من زملاء القطاع الطبي، «في الأيام الثلاثة الأولى، نزلنا بطريقة عفويّة بلا شعارات، الآن قرّرنا كتابة عدد منها كي لا ننسى أحداً من الفاسدين. نحن من هذا الشعب».
على وقع النشيد اللبناني، يشرح محمود إبن سير الضنيّة أنه «مش واقف للنشيد من إيام المدرسة، الجو في الضنيّة غير شكل والجميع انضم إلى ساحة النور في طرابلس، أما أنا فنزلت إلى بيروت لأنها الأساس وإسقاط الفاسدين يتمّ من هنا».
الأغاني الشعبيّة وحلقات الدبكة «احتلّت» المشهد. الدلعونا والميجانا والأغاني الوطنية التي لم تعد تناسب مزاج الناس، إلى ردّات آلان مرعب، إلى أغنية «بيلا تشاو»، والراب والأغاني الثوريّة. التنوّع «الفولكلوري» واستمرار كيل الشتائم للسياسيين، الذي شهدته ساحتا الشهداء ورياض الصلح، لم ينزع عن الأخيرة طابعها الخاص سواء في تأهّب رجال الأمن أو في إطلاق المتظاهرين للآراء السياسيّة «الواضحة». بصمات الثورة وشعاراتها، طُبعت في كلّ مكان «محرّم» على العامة. الأعداد الكبيرة للمشاركين في مظاهرة الأحد، أدّت إلى حالات إغماء عديدة، وفتحت الرهان على استمرار الزخم في المظاهرات بعد انقضاء «فرصة» نهاية الأسبوع لبعض المشاركين.
من دبكوا ورقصوا أمس، في عشرات الحلقات بين ساحتي الشهداء ورياض الصلح، لم يكن في بالهم من أمّن معدّات الصوت. الشائعات التي كانت ترد عبر السوشيل ميديا لم تُفسد فرح الناس، ولم يكونوا في وارد قراءتها. «الأخبار» جالت على عدد من مقدّمي الصوت في وسط البلد، وحاولت الاستفسار منهم. اتحاد الشباب الديموقراطي، قدّم واحداً من المكبرات، وهو تحديداً الذي وقف عليه طلاب اللبنانية معلنين توجّههم إلى الشارع.
صاحب «ديسكو أونو» من مجدليا (قضاء عاليه)، قدم بدوره الصوتيّات: «ما في مموّل كل واحد من نفقته الخاصة، لأني من هالشعب، وجاين نطالب بوطن». يوسف شعبان إبن الجنوب يسكن في الضاحية الجنوبيّة نزل بـ«البيك آب» الخاص به، «الآليّة ملكي، والصوتيّات استأجرتها مع مجموعة من رفاقي من حبيب مونو، وقد سايرنا بالسعر للأمانة». خمسيني أتى «من قلب الأوزاعي» يقول: «أنا أعمل في الصوتيات وحبّيت قدمهم، استأجرت البيك آب وحطّيت الصوتيات يلي بملكهم». «أرزوني للصوتيّات»، الأكثر حضوراً منذ المظاهرات السابقة، أكدت في بيان أن «مشاركتها في هذا الحراك الوطني إنما بدافع الوطنية وحباً بلبنان».