الأشجار في منطقة الفخيتة، في بلدة الدبيّة الشوفية، ترتفع حتى تلامس أسلاك الكهرباء. تلك الأشجار لا تُشَحّل. كان ينبغي أن يتولّى هذه المهمّة مأمورو الأحراج الذين نختلف، طائفياً، على تعيينهم. تُهدَر سنوات كما لو أن الوقت بلا قيمة. والقيمة هنا مالية وبيئية واقتصادية...أسلاك الكهرباء في تلك المنطقة متدلّية أكثر مما ينبغي. خطة نقل الكهرباء، كما كل خطة الكهرباء، معطلة بسبب الخلافات على الحصص. والحصص هنا أيضاً تُقتطع بأسماء الطوائف. تُهدر سنوات أيضاً كما لو أن الوقت بلا قيمة. وفضلاً عن قيمة الوقت نفسه، تُهدر مليارات الدولارات لأن البلاد عاجزة عن إنجاز مشروع لتحسين شبكة الكهرباء.
تهب الرياح العاتية. تهتز الأشجار لتهز معها أسلاك الكهرباء المتدلية، والتي زادت درجات الحرارة من ارتخائها. احتكت الأسلاك بعضها بالبعض الآخر، فأنتجت شرراً أدى إلى اشتعال الأشجار. هكذا بدأ الحريق الذي روّع منطقة ساحل الشوف في اليومين الماضيين. هي على الأقل الرواية الأكثر تداولاً بين العاملين على إطفاء الحرائق في المنطقة. وهي الرواية الأكثر تعبيراً عن الواقع، إذا ما أضيفت إلى ما جرى بعد الحريق. في الدبية نفسها، يتنقّل عنصر من الشرطة البلدية، غير مجهّز بما يقيه شر النار. معه خزان يسع ألف ليتر لا أكثر من الماء، ومضخة تكاد لا تكفي لغسل سيارة. يرتدي «شورت» و«فلانيل»، اسودّ لونهما حتى صار الصليب الخشبي المتدلّي من رقبته أكثر وضوحاً. قطع الطريق أمام النار من ثلاثة محاور. يتحدّث بثقة جنرال منتصر. يوجّه المحيطين به. يحذّر من اقتراب الحريق من محوّل الكهرباء، فيهرع الجميع لإبعاد سياراتهم، عسكريين ومدنيين... بدا الرجل فجر أمس كأنه دولة لوحده. غرفة عمليات متنقلة. كل واحد من أولئك الذين انتشروا من الدامور إلى حدود البرجين كان كذلك. دولة متنقلة. لم ينتظر أحدهم أمراً من أحد. لم يسأل أحدهم عن «دولة». لم يحتج أيّ منهم إلى قائد. لم يسألوا عن الدولة. لم يكرروا لازمة «وينيّي الدولة؟». من يحتاج إلى دولة أصلاً؟ الدولة كانت نائمة فجر أمس. من أيقظها؟ ولماذا؟ ليست جهودها ما أطفأ الحريق. هي في الأصل أشعلته. المحاربون من الدامور إلى الدبيّة كانوا ينتظرون المطر لا أكثر. ثقتهم بالغيم أقوى من ثقتهم بالدولة. كانوا في ذلك على حق.