أخفق اتفاق معراب في تكرار تجربة تحالف عون - حزب الله، وبري - جنبلاط
حتى بلوغ انتخاب عون، عوّل جعجع على التحالف العريض في قوى 14 آذار، القائم على نحو اساسي على الركيزتين السنّية والدرزية، وتحديداً الحريري وجنبلاط. في المقابل كان صعود الحزب المسيحي الآخر، التيار الوطني الحر، غير مألوف. في اول حكومة شارك فيها التيار (2008)، بعد استبعاد وعزل متعمدين، تمثّل مع حلفائه بخمسة مقاعد، وفي حكومة 2011 ارتفع عدد وزرائه الى سبعة. لم يكن تحالف عون مع حزب الله، في العلن في احسن الاحوال، اكثر تأثيراً من تحالف جعجع مع الحريري وجنبلاط. مع ذلك لم يتحمّس حليفاه هذان لمنحه حصة تليق بما كانا يعدّانه انه صاحب التمثيل المسيحي الاقوى والاكثر تماسكاً في قواعده. لم يُعطَ مرة، داخل الحكومة او في مراحل تأليفها وتحديد حصته، حق الفيتو وفرض الشروط والتخويف بالانسحاب شأن ما لدى سليمان فرنجيه الاقل تمثيلاً وشعبية. دخول عون في المعادلة السياسية ومقدرة هذه ـ على صعوبة تقبّل ردود فعله ومفاجآته وصدماته ـ بدا اسهل واكثر استيعاباً وضرورة. لم يكن عداء جعجع لحزب الله اقل وطأة من نفور بري وجنبلاط من التعامل مع عون قبل الوصول الى العهد الحالي.
ليست كذلك قليلة الاهمية النزاعات المسلحة الماضية بين جنبلاط وبري، المباشرة وغير المباشرة ما بين عامي 1985 و1987، آخرها اعادت الجيش السوري الى بيروت الغربية في شباط 1987. مع ذلك، مذ انضما الى اتفاق الطائف - ولم يكونا مشاركين فيه - اضحيا حليفين تاريخيين، غالباً ما قيل ان تحالفهما «معمّد بالدم»، وهو كذلك. في مرحلة لاحقة على خروج سوريا من لبنان - وكانت ظهيراً للزعيمين الدرزي والشيعي - صار بري ظهيراً قوياً وصلباً لجنبلاط خصوصاً منذ ما بعد 7 ايار 2008.
يوم تصالح عون وجعجع في «اعلان النيات» في 2 حزيران 2015، قيل انهما تخلّصا من ماضيهما الدامي والمدمر الذي خلّف مئات الضحايا. اتفاق معراب في 18 كانون الثاني 2016 اتى استكمالاً للمصالحة بينهما اكثر منها بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية كون صدامهما عام 1990 نشأ عنهما بالذات، شخصياً، كمتنافسين على السلطة في المناطق الشرقية. اقترن اتفاق معراب بترشيح جعجع لعون للرئاسة، فبدوا انهما على طريق معادلة بري - جنبلاط: الرئيس ظهير الحليف الجديد الذي بكّر في توقعاته انه الافضل لخلافته في الرئاسة. بالكاد مرت سنتان على الاتفاق بدأ يتزعزع تدريجاً الى ان اوشك ان يضمحل اخيراً وبدأ التنظيمان، منذ ما قبل انتخابات 2018، ينشران تباعاً غسيلهما على السطوح، في مجلس الوزراء وعند القواعد الشعبية وفي الصالونات السياسية المقفلة والمفتوحة. رغم ان جعجع حاز للمرة الاولى في تاريخ القوات اللبنانية 15 مقعداً نيابياً، في ظل رئاسة عون بالذات وليس من خلال حليفيه السنّي والدرزي، ثم على حصة اكبر غير مسبوقة في التمثيل الحكومي عامي 2016 و2019، يظل غير مفهوم تماماً الدوافع الفعلية لاخفاق الرجل في حمل المعادلة الداخلية - الصلبة الآن اكثر من اي وقت مضى - على استيعاب وجوده فيها بلا ارتياب وشكوك.
ماضيه كماضي الزعماء الثلاثة الذين زاملهم منذ مطلع الثمانينات، ولم يكن اي منهم براء من اقتتال داخلي حتمته الحرب ونزاعات في قلب الطائفة ومع الطائفة المقابلة. بيد ان احداً - الى اليوم - لا يسعه ان يقرّ، أو ربما ان يصدق، بأن للرجل حاضراً يختلف عن السنوات المنقضية.