ما أفضت إليه الجلسة أفصح عن بضع ملاحظات:
أولاها، أن رئيس الحكومة سعد الحريري لم يشأ الدخول على خط السجال الساخن في مجلس الوزراء، ولا بعد ارفضاضه. لم يتدخّل في أي من بنود جدول الأعمال لدى مناقشتها، ولم ينبس ببنت شفة في الجدل الذي تلاها، فلم يعدُ انضمام الوزير جمال الجراح إلى وجهة نظر وزيري القوات اللبنانية سوى من باب رفع العتب. بدا الحريري في نظر وزراء شارد الذهن، متأثراً بـ«صدمة» قرار المجلس الدستوري إبطال نيابة عضو كتلته النيابية ديما الجمالي، مع أن موقفَي عون من موضوعي السجال هما أكثر ما يتناقض معه الحريري عليه، سواء برفضه العودة «الآمنة» التي يطلبها رئيس الجمهورية وأخيراً أبدلها الحريري بـ«العودة الطوعية»، أو بإزاء الاتصال بالدولة السورية ورئيسها. تناقض كهذا يبقى مكتوماً لا يريد الحريري - وإن بصفته رئيساً لمجلس الوزراء، متمسكاً بصلاحياته كاملة - أيّ اشتباك من حوله مع رئيس الجمهورية، من غير أن يتخلى أيّ منهما عن أحكامه المسبقة.
ذلك مغزى أنّ الرجلين يقدّمان نموذجاً جديداً - لكن على الطريقة اللبنانية - عن «المساكنة» او «التعايش» في سلطة إجرائية، مثقلة بتنافر أفرقائها بعضهم مع البعض الآخر، وتناقضات خياراتهم. بالتأكيد يدخل في صلب تبرير هذه «المساكنة» أنّ التباعد الأوسع في الملف الداخلي يقيم في تقويم كل من رئيسي الجمهورية والحكومة سلاح حزب الله، ورغبة الحريري في تجاهل الخوض فيه راهناً.
ثانيها، اقتصار الاشتباك على حزب القوات اللبنانية في جلسة الخميس، وتالياً ختم السجال والجلسة بالطريقة التي أرادها عون، قدّم برهاناً إضافياً على الحصانة الصلبة التي تتمتع بها تسوية 2016 بين عون والحريري، وثالثهما ثنائي حزب الله - حركة أمل. آخر مظاهرها تأليف الحكومة على النحو الذي جعل الأفرقاء الثلاثة هؤلاء هم الرابحون فيها.
في جانب رئيسي من الاتفاق المضمر الذي يغطي التسوية، إدراك الفريقين أن أياً منهما لن يصطف في خيارات الآخر، أو يؤيدها، أو يجامل بإزائها. إلا أنهما متفاهمان على عدم نقل تباينهما إلى داخل مجلس الوزراء، ولا وضع تعاونهما على محكه. لا يسع الحريري، أعتى مناوئي نظام الأسد، التخلي عن أي من أحكامه حيال الأسد ونظامه، في بيت الوسط كما في المؤتمرات والمنتديات وأمام كتلته النيابية، ولا يتردد في نعت النظام بـ«إرهابي». مع ذلك لم يشكُ مرة من تحرّك السفير السوري في بيروت، ولا استدعى السفير اللبناني في دمشق وحكومته هو بالذات عيّنته، ولا حادَثَ رئيس الجمهورية في إشهار إلغاء المجلس الأعلى اللبناني السوري وما انبثق منه من معاهدة واتفاقات، وإن باتت هذه كلها، واقعياً في حكم المعطلة تماماً.
ثالثها، يتصرّف رئيس الجمهورية وفق اقتناع أن واجباته الدستورية مكملة لصلاحياته الدستورية. فحوى ما أدلى به في مداخلته المسهبة، لا يدخل في عداد الصلاحيات الدستورية، بل في الواجبات الدستورية التي تنصّ عليها المادة 49 عندما تتحدّث عن الوظيفة الدستورية لرئيس الدولة، من دون أن تأتي هذه المادة على أي صلاحية. بذلك استمدت حجة الرئيس في ما تناوله، من أنه لا يمارس صلاحية ليست معطاة له، خصوصاً عندما يتحدث الدستور في المادة 65 عن أن مجلس الوزراء هو مَن يضع السياسة العامة للحكومة ورئيسها ينفّذها، بل يستخدم رئيس الجمهورية الواجب الدستوري الذي يحتّم عليه دق ناقوس الخطر عندما تتهدّد البلاد أخطار في وحدتها واستقرارها.
«المساكنة» بين الرئيسين واستقرار حكومتهما برهان إضافي على تسوية 2016
ذلك ما عناه مرتين: بقوله إنه يخشى «قضية سورية» على غرار «قضية فلسطينية» لا تزال بلا حل، وإنّ الأعداد الضخمة من النازحين السوريين بعد زوال معظم أسباب النزوح باتت في حاجة إلى معالجة فورية في معزل عما يقول به المجتمع الدولي.
رابعها، ليس ثمة أدنى إشارة إلى أن اندفاعة عون في الجلسة في مقابل انكفاء الحريري يشيان بخلاف محتمل. كلاهما يتفهّم وجهة نظر الآخر من دون أن يقتنع بها. متفقان على خطورة الوزر الذي بات يمثله النزوح السوري على الأوضاع الداخلية، واستمرار بقاء النازحين واستنزافهم القدرات اللبنانية، والحاجة الملحة إلى إعادتهم إلى بلادهم، بيد أنهما يختلفان على الوسيلة: رئيس الجمهورية يراها عبر التواصل الرسمي والمباشر مع نظام الأسد، ورئيس الحكومة يفضّلها عبر المجتمع الدولي الذي يشكك عون في صدقية ما يعلنه. في حسبان الحريري أن التواصل مع النظام - وإن لهدف محدّد هو النازحون - يقود حتماً إلى حوار سياسي.
كلا الرئيسين على طرف نقيض مما تتناوله القوات اللبنانية في مجلس الوزراء وخارجه: تصوّب على نظام الأسد أكثر منها تصويبها على سلامة النازحين وخوفها على أمنهم منه. على طرف نقيض منهما كذلك، تتوسل النازحين وسيلة لتسجيل موقف مناوئ للنظام، ورفض استعادة الاتصال به والحوار معه.