جورج بطل هو رفيق حياتي. تعود معرفتي به إلى عام 1951. ومن حينه، بدأت تتطور العلاقة، لتشمل الصداقة والسياسة والفكر والمشروع السياسي الاشتراكي لتغيير العالم، فجمعنا فكر كارل ماركس. كلانا كان له اتجاه مختلف لعائلته. أنا ابن رجل دين، افترقت عن والدي وأصبحت الاشتراكية مسار حياتي. أما جورج، ابن رجل الأعمال، فقد تخلّى عن المال والثروة، مقدماً حياته لأفكاره. جورج صاحب الشخصية الجميلة والفذّة، نموذج فريد. أمثاله قليلون، أعرف منهم على سبيل المثال لا الحصر، محمد سيد أحمد ابن الباشا الذي التحق بالشيوعية وعاش فيها مأساة لأنه كان مؤمناً بأفكاره. يتميز جورج بكونه صريحاً، يُعبر عن رأيه بالأشخاص والأشياء من دون أن يراعي أحداً. البطل هو القارئ النهم، الذي كانت له مسؤوليات حزبية مُتعددة. كان شريكنا، جورج حاوي وأنا، بقيادة الأمين العام للحزب الشيوعي في حينه نقولا شاوي، في تأسيس جبهة الأحزاب والقوى التقدمية والشخصيات الوطنية عام 1965 مع الراحل كمال جنبلاط. كان ذلك قبل أن يُرسَل البطل في ذلك العام، بقرار من الحزب الشيوعي، للعمل في مجلة "قضايا السلم والاشتراكية" التي تصدر من براغ وتنطق باسم الأحزاب الشيوعية. طوال 15 عاماً استمر جورج في عمله، كان خلالها كثير المجيء إلى لبنان والذهاب إلى بلدان عدّة باسم المجلة والحزب وأفكاره للمشاركة في ندوات ومؤتمرات حزبية. كان متميزاً، نقدياً، لا يتلقّى الأفكار كما هي. جورج كان فعلاً إنساناً نيّر الفكر. من سماته أنه صاحب ذاكرة استثنائية ويحفظ التاريخ.
كنا، جورج وحاوي ومجموعة من الرفاق وأنا، نُشكل الجيل الثاني في قيادة الحزب الشيوعي. في عام 1966، قمنا بثورة أردناها لتجديد فكرنا وسياسات حزبنا وتحديد طبيعة انتمائنا إلى الأممية بشكل مستقل. واجهنا معركة مع الحزب الشيوعي السوفياتي الذي اعترض على حركتنا، لكننا انتصرنا في ثورتنا التجديدية وعقدنا في عام 1968 المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي الذي صدرت عنه مجموعة من الوثائق تُحدد طبيعة الانتماء إلى الاشتراكية والحفاظ على أنفسنا كعرب. تولى جورج بطل صياغة هذه الوثائق. النتيجة كانت أن اضطر الحزب الشيوعي السوفياتي إلى التعامل معنا كما نحن قررنا.
عُدنا والتقينا، البطل وأنا، في عام 1991 بطلب من حاوي الذي كان أميناً عاماً للحزب الشيوعي وكَلَّفَنا صياغة الوثيقة التي ستُعرض في المؤتمر السادس للحزب. كانت الحرب الأهلية قد انتهت بخسارتنا كحزب وكقوى وطنية، بعدما سادت الوصاية السورية. كما أن التجربة الاشتراكية انهارت مع انهيار الاتحاد السوفياتي. لذلك، كان على الوثيقة أن تأخذ في الحسبان هذين الحدثين. قدّمت الوثيقة للشيوعيين والعالم رؤية مختلفة فيها قراءة نقدية للحرب الأهلية ومشاركتنا فيها كحزب، وقراءة للتجربة الاشتراكية وتجاوزها. وضعنا أفكاراً حول ما كنا نعتبره ضرورة للحزب في هذا الظرف، حتى إننا دخلنا في أمور التنظيم. انتهى الأمر بأن أقرّ المؤتمر السادس هذه الوثيقة.
في عام 1999، المؤتمر الثامن تحديداً، قررنا أن لا نترشح إلى أي منصب. بقينا نعمل كل على طريقته، هو قليل الكتابة يقرأ كثيراً وأنا أؤلف الكتب. عُدنا في عام 2000، ووجهنا رسالة إلى الشيوعيين اللبنانيين نُشرت في جريدة "النهار". توجهنا إليهم، داعين إياهم إلى قراءة تاريخ حزبهم وإخراجه من الأزمة التي دخل فيها. في ما بعد، بقينا نحن الاثنين على علاقة مع الجميع في الحزب الشيوعي، من دون أن نتخذ موقفاً مع طرف ضد آخر.
بهذه الكلمات، أنهي الحديث عن صديق العمر وأمير الصراحة جورج بطل.