إذا كانت هذه أجواء طاولة الحوار، فإن الحكومة الحالية ستكون آخر حكومة للوحدة الوطنية»، هو الانطباع الذي خرج به مشاركون في نقاشات «هيئة الحوار الوطني» التي استؤنفت أمس في بعبدا
نادر فوز ومنار صباغ
كادت جلسة الحوار تكون أكثر مللاً مما حاول الإيحاء به بعض من شارك بها لولا أمران: الأول هو أداء رئيس الجمهورية ميشال سليمان، الذي لم يقف على الحياد، وكان واضحاً في توجيه رسائله السياسية وموقفه، والثاني هو الاشتباك السياسي على البيان الختامي. علماً بأنها تميزت أيضاً بصمت كل من الرئيس نبيه بري، الذي التزم عهده بالاستماع وعدم التحدث لولا اضطراره في نهاية الجلسة إلى التدخل في موضوع شطب الرئيس فؤاد السنيورة لكلمة المقاومة من البيان. كذلك شارك في الصمت النواب: محمد رعد ووليد جنبلاط وآغوب بقرادونيان، والوزير إلياس المرّ والبروفيسور فايز الحاج شاهين، فيما كان الغائب الوحيد الوزير محمد الصفدي لوجوده في الولايات المتحدة الأميركية.
وفيما علّق كثيرون آمالاً على إمكان حصول لقاء بين النائب سليمان فرنجية ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، سمير جعجع، أو مصافحة على الأقل، لم يحصل شيء، وبدا واضحاً أن فرنجية يتجنب اللقاء بجعجع، وتجنب الاقتراب منه. فيما حافظ جعجع على المسافة الشرعية مع فرنجية، مع العلم بأن الأخير وصل إلى القصر مع النائب طلال أرسلان بسيارة واحدة، وقد ترافق وصولهما مع حماسة كبيرة في صفوف الصحافيين، بل حتى رجال الأمن، حيث ساد ترقب لمشهد لقاء فرنجية ـــــ جعجع. إلا أنّ فرنجية سارع إلى الاختلاط مباشرة مع مجموعة الأقلية، وبدا واضحاً وقوف أركان المعارضة سابقاً بعضهم مع بعض، بينما انعزل أركان الأكثرية سابقاً في أحد أركان الصالون.
وتأخر بدء أعمال طاولة الحوار إلى الساعة الحادية عشرة والثلث، وكان أول الواصلين رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد عند الحادية عشرة إلا ربعاً. وسجل الرئيس السنيورة رقماً في الوصول المتأخر، حيث دخل عند الحادية عشرة والثلث. بعدها دخل رئيس الجمهورية ميشال سليمان وأُغلقت الأبواب.
وتحدث في بداية الجلسة رئيس الجمهورية، فتطرق إلى ظروف دعوته لمؤتمر الحوار الوطني، ولا سيما ما يتعلق بالتوقيت، الذي فسره البعض بأنه موجه إلى قمة دمشق الثلاثية التي جمعت الرئيسين السوري بشار الأسد والإيراني أحمدي نجاد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وهنا تؤكد مصادر الرئيس سليمان أنه كان سيعلن موعد عقد طاولة الحوار قبل سفره إلى موسكو، لكنه عاد وأجل الموضوع لحين عودته. أما في ما يتعلق بالمعايير، فهو شرح الظروف التي أدت إلى خياراته، ولم يكن هناك أي تعليق من المشاركين على كلامه.
وأخذ الكلام بعد سليمان الرئيس الحريري الذي قدم كلمة عامة، ومن بعده داخل الرئيس بري الذي اكتفى أيضاً ببعض الجمل العامة عن ضرورة الحوار.
ثم تحدث الرئيس الأسبق أمين الجميّل، فقدم أطول مداخلة، موتّراً الأجواء، حسبما قال أحد المشاركين، حيث تحدث بإسهاب عن دور لبنان وموقعه، وهل هو دولة مواجهة أم دولة مساندة؟ وسأل: كل الوقت نناقش الاستراتيجية الدفاعية، لكننا لم نعلم إلى اليوم ما الذي يريده حزب الله، وأي استراتيجية دفاعية يقترحها وأين هي أوراقه لهذه الاستراتيجية؟ مسجلاً عدداً من المآخذ على حزب الله، ومنتقداً المقاومة مباشرة، ومستعيداً وحده خطاب 14 آذار قبل قمة الدوحة، داعياً إلى تحييد لبنان عن سياسة المحاور في المنطقة، ومطالباً بوضع سقف زمني لجلسات الحوار حتى تصل إلى نتائج، بدل أن تبقى جلسات متواصلة من دون نتائج، وسائلاً: أين أصبحت مقررات الجلسات الماضية بشأن السلاح الفلسطيني؟
وكان لافتاً تجاهل النائب رعد لمداخلة الجميّل وعدم رده عليها.
وتحدث ميشال عون مدافعاً عن موقع لبنان في الصراع، متمنياً لو كان لبنان دولة مواجهة أو حتى دولة مساندة، إلا أن الواقع هو أن لبنان يقوم بالدفاع عن نفسه مقابل الاعتداءات الإسرائيلية عليه. ولاحظ المشاركون في الحوار أن الجنرال عون كان في غاية الهدوء، وأنه تسلم دفة الحديث وأخذه نحو منطق نقاشي هادئ وبعيد عن الشعارات.
وتحدث عون طويلاً عن دور المقاومة بالدفاع عن لبنان وأهمية التكامل بين الجيش والشعب والمقاومة، مشدداً على ضرورة الالتفات جيداً إلى معنى كلمة حوار، «فأن نتحاور لا يعني أن نقدم وجهة نظر لكي تلغي أخرى، وهذا يمكن أن يحصل في النقاش، لكن يعني أن الحوار يجب أن يوصلنا إلى نقاط تفاهم مشتركة».
من جانبه رأى أرسلان أن العمالة في كل دول العالم جناية إلا في لبنان هي وجهة نظر. وأضاف: «فلنكن صريحين وكفى تكاذباً. لا بد من وضع حد لهذه الازدواجية»، مطالباً بعملية إصلاح شاملة للنظام السياسي لأن المهم في الحوار «معالجة الأزمة السياسية والأزمات الأخرى التي تنشأ عنها».
وتدخل فرنجية مقترحاً على رئيس الجمهورية تأليف فريق من قضاة يعملون على تحديد مواصفات العمالة للعدو الإسرائيلي، متسائلاً: هل العميل هو من يضع متفجرة مثلاً، أم الجاسوس الذي يقدم معلومة للعدو أم السياسي الذي يدلي بتصريحات تصب بمصلحة العدو؟ لا بد من تحديد هذه المواصفات التي تسمح بمعاقبة كل من يسبب الأذى للبنان».
وهمس سمير جعجع في أذن النائب ميشال فرعون الذي تداخل قائلاً إن العميل هو كل من يتعامل مع دولة أجنبية، إلا أن رئيس الجمهورية قاطعه قائلاً: العميل هو كل من يتعامل مع عدو لبنان. قاطعاً الطريق على المزيد من الإضافات.
وتفرد عملياً النائب أسعد حردان من المعارضة السابقة في تقديم مداخلة طويلة عن رؤيته للاستراتيجيا الدفاعية، وأشار مطلعون على أجواء جلسة أمس إلى أنّ حردان حاول من خلال ما عرضه على المشاركين «تصويب وجهة الحوار»، بما معناه أنّ رئيس الحزب القومي حدد مجموعة من القواعد والمنطلقات لبحث الاستراتيجيا الدفاعية. ومن ضمن هذه القواعد تقدم حردان بمجموعة من النقاط، أبرزها طرح هذه الأسئلة: «هل إسرائيل عدو؟ هل من أراضٍ لبنانية محتلة؟ هل يريد اللبنانيون تحريرها؟ كيف؟ كيف نواجه التهديدات الإسرائيلية ونوقفها؟».
وأشارت المصادر إلى أنّ حردان أشاد بالتحذيرات والمواقف الوطنية التي يقدمها كل من سليمان والحريري من أي عدوان على لبنان. وتضيف أنه اقترح أن تحمّل الدولة السفراء والبعثات الأجنبية الموجودة في لبنان مسؤولية معيّنة لتحرير الأرض. كذلك شدد حردان على أنّ من الثوابت الأساسية للانطلاق في مناقشة هذا الملف، الوحدة الوطنية «لكن شروط الوحدة الوطنية لا يمكن أن تكون في وضع طائفي ووضع اقتصادي معتلّ»، ما يعني تشديده على أنّ معالجة الاستراتيجيا يجب أن تكون متكاملة.
وعقّب جعجع مشيداً بكلمة حردان الوافية. ووصفت مصادر مشاركة أداء النائب فؤاد السنيورة في الجلسة بـ«أنه كان يمثل فريقاً لا يزال متوقفاً في زمن معيّن، من دون أن يراعي ويجاري التطوّرات الإيجابية التي حصلت».
وداخل السنيورة قارئاً عن ورقة معدة سلفاً، فأثار موضوع ترسيم الحدود اللبنانية، أكان مع سوريا أم في مزارع شبعا. وأشار إلى اتفاق الطائف وضرورة احترام ما ينص عليه، بما فيه الهدنة مع إسرائيل. ولاحظ المتابعون للجلسة أن السنيورة، من خلال الجلسة، تعمد دسّ كل مواقف قوى 14 آذار، لكن مع إضافة جمل اعتراضية ومواقف تتماشى مع بعض طروحات المعارضة.
من جهة أخرى، أشارت مصادر القوّات اللبنانيّة إلى أن جعجع بدأ مداخلته بالقول إن البحث هو في الاستراتيجيّة الدفاعيّة، ولفت إلى أن لبنان يمرّ بوضع استثنائي، لأن الشرق الأوسط يمرّ بمرحلة لم يمرّ فيها منذ 60 عاماً، «لذلك علينا أن نسعى لتجنيب لبنان أي تداعيات لهذا الوضع، وأنا أجلّ وأحترم حزب الله وقيادته وتضحياته، لكن لبنان بحاجة إلى حكمة اليوم أكثر من أي وقت مضى». وأشار إلى أن الدفاع عن لبنان هو من صلاحيّة الحكومة، ولا «ضير في أن تعقد الحكومة عدّة جلسات لبحث الاستراتيجيّة الدفاعيّة كما فعلت بموضوع قانون البلديّات». ورأى جعجع أن التمسّك باتفاق الهدنة هو ليس للدفاع عن إسرائيل، بل للدفاع عن لبنان».
وطرح جعجع ضرورة ترسيم الحدود عند مزارع شبعا، «لعلّنا نستعيدها عبر مجلس الأمن». وسأل عن سبب طرح السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات وليس في داخلها، مشيراً إلى ضرورة تطبيق مقرّرات الحوار في هذا المجال، وهنا أشار الرئيس الحريري إلى أن طرح موضوع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات صعب اليوم فلنبدأ بخارجها.
وردّ الرئيس سليمان على الطرح المتعلق بمزارع شبعا، مؤكداً أنّ القمة اللبنانية ـــــ السورية التي جمعته والرئيس السوري بشار الأسد خرجت بموقف واضح يقرّ بلبنانية المزارع. كذلك أضاف سليمان أنّ الترسيم انطلاقاً من شبعا غير وارد، وأن هذه المنطقة هي أراض لبنانية وتحتلها إسرائيل. ورد عدد من ممثلي الأقلية على حديث السنيورة عن اتفاق الهدنة، مؤكدين ضرورة إتمام التحرير قبل التوقف عند وجود أي هدنة مع العدو.
وكان الطرح الذي تقدم به البعض بتحويل طاولة الحوار إلى هيئة قد لاقى معارضة، مخافة أن تتضارب مع مؤسسات أخرى دستورية، وخاصة أنها لا تحمل صفة دستورية بنفسها.
أما نهاية الجلسة، فلم تكن مسكاً، إذ إنها لم تأت مرحة، ولم يسدها المزاح كما جرت العادة، بل كانت عادية إلى أن تشنّجت الأجواء عندما أزيلت عبارة «ومقاومته» من الفقرة الثانية التي تقول: «يتكافل ويتضامن لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته». وعند قراءة الفقرة الثانية للصيغة الجديدة، سأل الرئيس نبيه بري: «من شطب كلمة مقاومة». فردّ عليه السنيورة: أنا. فدار جدال بين بري والسنيورة على خلفيّة عدم أحقيّة السنيورة في شطبها.
فقال النائب محمد رعد: «كلما أردتم أن تضعوا كلمة المقاومة بتربحونا مئة جميلة. شيلوها وحطوا اللي بدكم إياه».
ردّ سمير جعجع، بأن «القوات» لم توافق على ذكر كلمة المقاومة في البيان الوزاري، وهو ما قاله الرئيس أمين الجميّل أيضاً. ثم قال الحريري إن ما يصدر عن الطاولة هو ما نتفق عليه، لا ما نختلف عنه. فشُطبت الفقرة الثانية من البيان بأكملها.

جنبلاط

وعلى صعيد قراءة رئيس كتلة اللقاء الديموقراطي، وليد جنبلاط، للجلسة، أكد الأخير لـ«الأخبار» أنه لم يقدم أي مداخلة، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة استمرار جلسات الحوار «لأن هناك اختلافاً في وجهات والنظر وعلينا تدوير الزوايا، وحتى لو لم نستطع تدويرها، على كلّ واحد أن يقول ما لديه». علماً بأنّ جنبلاط غادر القصر قبل نحو ساعة من انتهاء الجلسة، إلا أنه يبرّر الأمر بأنّ الرئيس ميشال سليمان حدّد موعد انتهاء الجلسة عند الساعة الواحدة والنصف، وقد «دبّ النعاس والجوع فغادرت».
ورأى جنبلاط أنّ من «المهم أن يعيد الجميع صياغة المفاهيم والأفكار من جديد»، مشدداً أيضاً على أهمية الحضور الجديد. وفي ما يخص المقاومة، أكد جنبلاط أنه لا يزال متمسّكاً بموقفه بضرورة الانضمام التدريجي للسلاح إلى الدولة «وذلك وفق الظروف السياسية الملائمة لهذه الخطوة».

البيان الرسمي


السنيورة شطب كلمة المقاومة فحصل جدال فطلب الحريري إزالة الفقرة

عون ردّ على الجميّل: لسنا في موقع المواجهة أو المساندة، بل في موقع الدفاع
وصدر عن قصر بعبدا بيان حول الجلسة، فأشار البيان إلى أن الرئيس سليمان ذكّر في كلمته الافتتاحية «بمنطلقات جلسة الحوار الأولى وما آلت إليه من نتائج، مستعرضاً ما حصل من تطورات منذ الجلسة الأخيرة لطاولة الحوار، ولا سيما ترسيخ أجواء التهدئة ومواكبة الانتخابات النيابية التي أجريت بصورة حرة وديموقراطية، وكيف جرت مواجهة تداعيات العدوان على غزة والصمود في وجه الأزمة المالية العالمية، وانتخاب لبنان للعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن الدولي وتأليف حكومة وحدة وطنية، مؤكداً الفائدة المرجوة من طاولة الحوار، وداعياً إلى اعتماد مبدأ الحوار كثقافة». وأضاف البيان أن سليمان ذكّر أيضاً «بميثاق الشرف الذي سبق أن التزم به أفرقاء الحوار»، طالباً اعتماد عبارة «هيئة الحوار الوطني» عوضاً عن عبارة «طاولة الحوار».
وعرض سليمان في كلمته نظرته للظروف التي رافقت تأليف الهيئة، ولا سيما ما يتعلق منها بالمعايير التي اعتمدت وبتوقيت إعلانها، مؤكداً أن هذا التوقيت غير مرتبط بأي اعتبار إقليمي أو دولي.
وأشار إلى أن الموضوع المطروح للنقاش والمعالجة هو الاستراتيجية الوطنية الدفاعية التي تعني تضافر القدرات الوطنية للدفاع عن كل الوطن، من دبلوماسية وعسكرية وأقتصادية. وبناءً على ما استُعرض من خلال الأوراق التي طرحت أو التي ستطرح في المستقبل، طالباً تقديم الأوراق المتعلقة بالاستراتيجية من الأفرقاء الذين لم يقدموا بعد أوراقهم وكذلك من وزارة الدفاع ـــــ قيادة الجيش اللبناني. ولفت إلى أن المواضيع التي لها صلة بالاستراتيجية الدفاعية يمكن بحثها إذا ما طُرحت وإذا ما توافق المجتمعون على مناقشتها. وشدد البيان على تأكيد المتحاورين المقررات السابقة لمؤتمر الحوار الوطني ولطاولة الحوار والتنويه بما أُحرز من إنجازات في هذا المجال، ومواصلتهم البحث في موضوع الاستراتيجية الوطنية للدفاع والعمل من خلال لجنة الخبراء التي عُيِّنت في جلسة سابقة على إيجاد خلاصات وقواسم مشتركة بين مختلف الأوراق والطروحات. كذلك أشار إلى التزام الجميع بنهج التهدئة السياسية والإعلامية والحوار، والالتزام في هذا السياق بميثاق الشرف الذي سبق أن أقرته هيئة الحوار السابقة، على أن تعود الهيئة وتعقد جلستها المقبلة في بعبدا في 15 نيسان المقبل.


شالوم: نزع السلاح لا الحوارمن جهته، قال باراك إن الحزب لا يمثّل تهديداً وجودياً على إسرائيل، بل إنه «مصدر إزعاج للجبهة الداخلية». تابع «إسرائيل لا تعتزم المبادرة إلى مواجهات في الجبهة الشمالية لكنها تنصح بألا تجري محاولة مهاجمتنا، ولا نريد تبادل الضربات لكننا مستعدون لاحتمال أن يحاولوا اختبارنا».
وشدّد باراك على أن «دولة إسرائيل هي الأقوى في المنطقة، لكن مع ذلك فإن ما ينبغي فعله هو التعرف إلى الفرص وعدم الارتباك حيال التحديات».
وفي السياق، أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية أمس أن رئيس أركان الجيش، غابي أشكنازي، الذي يزور الولايات المتحدة حالياً، سيبحث مع نظيره الأميركي، مايكل مولن، مسألة تهريب السلاح من إيران إلى كل من لبنان وغزة عبر البحر الأحمر. وقالت الإذاعة إن أشكنازي سيبحث أيضاً قضية تزوّد حزب الله بالأسلحة الصاروخية.


عبسة هنا وعدم اكتراث هناك

أقفلت أبواب قاعة الاستقلال في قصر بعبدا عند الساعة 11:20 من قبل ظهر أمس. وصل المشاركون متأخرين، وكان آخرهم الرئيس فؤاد السنيورة، الذي اجتاز موعد الجلسة بنحو 15 دقيقة.
قبل ذلك، عند العاشرة والنصف، قام الرئيس ميشال سليمان بجولة تفقّد للتجهيزات والاستعدادات الجارية لإعادة إطلاق الحوار.
مع إقفال القاعة، انتظر الإعلاميون بالقرب من شاشات التلفزة، على اعتبار أن كلمة الرئيس ميشال سليمان ستُبَثّ مباشرة. إلا أنّ الرئيس لم يطلّ على الشاشات، فانسحب الإعلاميون من الباحة الداخلية للقصر، وأقفل رجال الأمن الأبواب الزجاجية التي تفصلهم عن قاعات القصر.
داخل هذه الأبواب، تشكّلت طاولات كثيرة. الأولى جمعت المرافقين الشخصيين الأقرب للمشاركين في الطاولة الرئيسية. جلس هؤلاء في إحدى القاعات الجانبية المطلة على الباحة الداخلية. شربوا القهوة، تناقشوا، خرجوا صوب الإعلاميين وانتظروا بدورهم انتهاء الجلسة. أما في الغرف الجانبية للقصر، فتوّزع الصحافيون على طاولات عدة. شُغلوا أيضاً بمناقشة ملفات طرحت بعفوية. نقاش في الزواج المدني تحوّل إلى حوار عن الأديان وتنظيم المجتمعات. بالطبع لم تفض هذه الجلسة إلى أي نتيجة، فظلّ العلمانيون محتفظين بزواجهم المدني وأصرّ المتديّنون على وجهة نظرهم. وفي جلسة حوارية أخرى، نقاشات في توزيع جوائز الأوسكار واستغراب للأهمية التي نالها فيلم «hurt locker»، وأسئلة عن «avatar» والغبن الذي لحق به. ثم انتقال إلى انتقاد بعض الوكالات الأجنبية التي تضفي الصفات الطائفية والمذهبية والسياسية على بعض المؤسسات الإعلامية. احتجاج على عبارة «قناة المنار التابعة لحزب الله»، ودفاع عن المحطة وتفسير كونها تابعة لمجوعة من رجال الأعمال. ابتسامات هنا وضحكات هناك تعترض على هذا التفسير، لينتقل الحديث إلى «أنغلة» على مؤسسة زميلة أخرى.
على هذا النمط، أمضى الصحافيون وقتهم في انتظار خروج الأقطاب، كأن لا أمر فائق الأهمية يجري على بعد أمتار منهم.
فُتح الباب الزجاجي الفاصل، خرج الصحافيون وفاجأهم وليد جنبلاط بخروجه أيضاً. لم يقترب منهم، وقد بدا مستعجلاً وغير مرتاح، اكتفى بالإشارة إلى وجوب صدور بيان مشترك.
وبعد دقائق، خرج رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، سمير جعجع. لم يتوجّه صوب الباب الرئيسي، بل قصد الحمام. أكثر من خمسين دقيقة تمضي والأقطاب يستكملون صوغ البيان. إلى أن رفعت الجلسة.
لعل أبرز المشاهد تعبيراً عن وضع جلسة أمس، تجسّد في اقتراب جعجع من الصحافيين وقوله: «وين راسكم يا عمي، إنتم وين ونحن وين؟»، رداً على سؤال عن لقائه الوزير فرنجية. وفيما كان جعجع يهمّ بالخروج إلى الباحة الخارجية، كان فرنجية لا يزال واقفاً عند مدخلها. لمح جعجع يقترب. بدا الامتعاض على وجهه، فعبست عيناه طويلاً بوجه جعجع الذي أبعد عينيه عن خصمه كأنه لا يأبه لوجوده. وبهذه العبسة وعدم الاكتراث ذاك، انتهت الجلسة الأولى للدورة الثالثة لهيئة الحوار الوطني.