كالأمطار التي أغرقت أزقّة مخيّم عين الحلوة وشوارعه، تتساقط وعود الأونروا على أهالي المخيم، وأهمها إعادة إنشاء شبكة البنى التحتية، لكنها لا تلبث أن تذهب مع السيول إلى البحر. «فمنذ سنوات والوكالة تحدد بين الفينة والفينة تاريخاً ما لبدء تنفيذ مشروع البنى التحتية، وقد كان آخرها الأسبوع المنصرم. بيد أنه حتى الآن لم نلحظ شيئاً: فلا معدّات أو آلات أو مواد دخلت المخيّم، ما يستبعد التزام الأونروا بالموعد المحدد»، هكذا يشرح مسؤول اللجان الشعبية في منطقة صيدا، أبو هاني موعد، المشكلة، متحدثاً عن أهمية إعادة تجديد الشبكة في المخيم، «والتي باتت مهترئة تماماً». ويضيف الرجل «منذ أوائل الثمانينيات، لم يتم العمل على أي تأهيل أو تعديل في الشبكة، على الرغم من التزايد الهائل لعدد السكان مقارنة بما كان عليه في الماضي، وهو ما يشكل خطراً أكبر من ذاك الذي ينجم عن الفيضانات التي تحصل في فصل الشتاء، كونه يتعلق بصحة أهل المخيم، فمياه الشفة ملوثة فيه، وذلك يعود إلى تسرب مياه الصرف الصحي من الأقنية المهترئة إلى مثيلتها من مياه الشفة، إذ إن هاتين الشبكتين تسيران جنباً إلى جنب داخل المخيم».ويردف موعد قائلاً «إن البنى التحتية لم تلحظ منذ إنشائها أقنية مخصصة لتصريف مياه الأمطار، لذلك فإن هذه المياه تصبّ في شبكة مياه الصرف الصحي التي لا تستوعب بدورها مياه الأمطار، هكذا وبمجرد هطول كمية قليلة من الأمطار، تتحول الأزقة إلى أنهر وتفيض مياه الصرف الصحي، ما يعرقل الحركة داخل المخيم»...
وما يزيد الطين بلّة، هو أنه «وبحكم موقع المخيم كمنخفض، تتسرب جميع مياه الأمطار التي تأتي من نهر سيروب وبلدتي درب السيم والمية ومية، حاملة معها الوحول والأوساخ وتتجمع فيه لتقتحم بيوت المخيم»، يقول مسؤول لجان حق العودة في المخيم، فؤاد عثمان، كاشفاً عن «كارثة كادت أن تحصل داخل المخيم خلال العاصفة الأخيرة التي ضربت لبنان، وكان متوقعاً أن تحصد قتلى فيه، لولا اتخاذ الإجراءات الاحترازية من قبل الأهالي، إذ تم إخلاء الطبقات الأرضية في الأماكن الأكثر انخفاضاً داخل المخيم، حيث شهدت أكثر تجمع للمياه، ولا سيما في الجهة الشرقية منه (حي النبعة)، والشارع التحتاني فيه، إذ وصل ارتفاع تلك المياه حتى 90 متراً. في الوقت الذي بقيت فيه الأونروا مكتوفة الأيدي ولم تتخذ أي تدبير وقائي، اللهم إلا تعطيل المدارس! لا بل إنها حتى لم تقم بمسح الأضرار التي خلفتها العاصفة».
أضرار وصلت إلى حد زيادة التصدّع في بعض الأبنية، مهددةً بسقوطها على رؤوس قاطنيها. هذا ما حصل في منزل أحمد الخطيب الذي يقول متحسراً وهو يحمل بعض أدوية المسكنات التي يحصل عليها من الأونروا، رغم أنه يعاني من أمراض مزمنة «مين بدو يعوّض علينا؟ فالوكالة بالكاد تتكرّم علينا بهدول الأدوية». ولم تقتصر الأضرار على ذلك بالطبع، إذ إن أثاث المنزل تلف أكثره، وهذا الأمر ينسحب على الكثير من منازل المخيم والمحال التجارية فيه التي غزتها الأمطار مؤخراً. وربما الذي ضاعف الكارثة هذه السنة، أكثر فأكثر، هو «تسكير مجرى نهر سيروب بالاسمنت الذي يقع على تخوم المخيم من الجهة الشرقية، وحصره بقناة لم تستطع استيعابه، ما أدى إلى انفجار القناة وتسرب المياه التي اتجهت إلى المخيم»، كما يشرح لـ«الأخبار» مسؤول اتحاد الشباب الفلسطيني الديموقراطي عاصف موسى، ويرفض موسى تحميل الأونروا وحدها المسؤولية عما حصل مؤخراً، «إذ إنها تتشاركها مع بلدتي درب السيم والمية ومية، المحاذيتين للمخيم، لأن جميع مياه الأمطار المتأتية من هاتين البلدتين تصب في الداخل».
مهما يكن، فإن العاصفة الأخيرة أظهرت أن مشروع إعادة تأهيل البنى التحتية في المخيم صار ملحّاً أكثر من أي وقت مضى، من هنا يطرح السؤال: لماذا تمعن الأونروا في تأخير تنفيذ هذا المشروع في «عين الحلوة» عاصمة المخيمات؟ يعترف مصدر مطلع من داخل الوكالة بأن «المشكلة من عنا»، مكتفياً بالقول إن الإجراءات اللوجستية هي التي تؤخر تنفيذ المشروع، ومنها صعوبة الاستحصال على رخص من قبل السلطات اللبنانية لإدخال الأنابيب (القساطل) ذات الحجم الكبير، إذ يُتخوّف من استخدامها لأغراض غير مشروعة، كأن يتم مثلاً تهريب الأشخاص عبرها أو غير ذلك من المحاذير، علماً بأنه، وبحسب المصدر نفسه، قد تم رصد مبلغ 4 ملايين دولار من قبل الدولة اليابانية لتنفيذ القسم الثالث من المشروع (منطقة صفوري)، وأجريت مناقصة بحيث رست على شركة إيلي معلوف. وينفي المصدر وجود هواجس أمنية لدى هذه الشركة تمنعها من التنفيذ، إذ إن الأوضاع في المخيم مستقرة.
تجدر الإشارة إلى أنه تم تقسيم مشروع البنى التحتية في عين الحلوة إلى أربعة أجزاء، بحيث يشمل كل قسم منطقة من المخيم. وأن هناك صعوبة في تمويل باقي الأقسام، فالاتحاد الأوروبي انهمك مؤخراً بمشروع تأهيل الأبنية السكنية، والدول العربية هي آخر من يأبه للتبرع لمشاريع تخص اللاجئين الفلسطينيين، أما المبلغ المتبقي جمعه لتنفيذ المشروع فيبلغ حوالى 21 مليون دولار.



يرى مسؤول اللجان الشعبية في صيدا، أبو هاني موعد، أن أحد أسباب التأخير في دخول مشروع البنى التحتية حيّز التنفيذ والتسويف بمباشرة العمل فيه، مرده إلى «سياسة تنتهجها الأونروا للضغط على اللاجئ الفلسطيني» وخصوصاً في «عين الحلوة» لما يحمله من رمزية كبيرة، إضافة إلى الدعايات الإعلامية التي تنقل صورة مغلوطة عن المخيم، وتصوره على أنه بؤرة إرهابية، وهو ما يهرّب المموّلين، مؤكداً السيطرة التامة على الوضع الأمني فيه وعلى توفر الاستقرار!