بدأ المستوى الأمني في إسرائيل، وفي مقدّمته قيادة جيش العدو، ورشة الترويج لـ«الانتصار» المزعوم في قطاع غزة. ومع الاقتراب أكثر من إعلان انتهاء المرحلة الثانية المكثّفة من الحرب، والانتقال إلى المرحلة الثالثة الأقلّ كثافة، سيرفع قادة المستوى الأمني من جرعات استعراض الإنجازات التي سيزعمون أن الجيش تمكّن من تحقيقها، وذلك لتبرير الانتقال إلى المرحلة الثالثة، من دون تحقيق أيّ من أهداف الحرب المعلنة: القضاء على «حماس»، واستعادة الأسرى، وتغيير الواقع الأمني والسياسي في القطاع. ومن الواضح، حتى من خلال تصريحات كبار قادة الجيش والأجهزة الأمنية، وحتى المسؤولين السياسيين، أن إسرائيل سلّمت بحقيقة أنه لا انتصار كاملاً وشاملاً في اليد، كذلك الذي روّج له رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، منذ بداية الحرب.وافتتح مسارَ الترويج للانتصارات المزعومة، رئيس هيئة الأركان، هرتسي هاليفي، الذي قال، أمس من رفح، إن «الجيش قتل أكثر من 900 ناشط (من فصائل المقاومة) في رفح، من بينهم قائد كتيبة واحد على الأقل»، مشيراً إلى أن «الجهد المبذول الآن هو لتدمير البنية التحتية تحت الأرض». وأضاف هاليفي أنه «عندما نجتاز مرحلة من القتال، سنأتي بأساليب وحيل أخرى. بالعزيمة والإصرار نواصل المهام ونستنزف الطرف الآخر. والنتائج ستتحدّث عن نفسها لاحقاً»، في إشارة إلى المرحلة الثالثة من الحرب.
وفي غضون ذلك، كان عدد من «كبار الجنرالات» في الجيش الإسرائيلي، بحسب وصف صحيفة «نيويورك تايمز»، يعبّرون عن اعتقادهم بأنه «ينبغي العمل على التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، حتى لو حكمت حماس في اليوم التالي». وفي تقرير أثار موجة من ردود الفعل في الكيان، ذكرت الصحيفة الأميركية أن «كبار القادة في الجيش مهتمّون بوقف إطلاق النار في غزة، حتى لو بقيت حماس في السلطة بعد ذلك»، وهو ما يتناقض مع موقف نتنياهو الذي يصرّ على «القضاء على حماس». وبحسب التقرير، فإن كبار الجنرالات هؤلاء، «يعتقدون أن وقف إطلاق النار هو أفضل وسيلة لتحرير الأسرى من أسر حماس». كما شدّدوا على ضرورة أن «تتعافى القوات قبل حملة محتملة في لبنان»، مشيرين في الوقت عينه إلى أن «الاتفاق مع حماس قد يسمح بالتوصّل إلى اتفاق مع حزب الله».
الجيش يخشى حرباً أبدية في قطاع غزة


وفي المقابل، خرج نتنياهو في مقطع فيديو مصوّر للردّ على ما ورد في التقرير، قائلاً إنه «لا يعرف من هم هؤلاء المسؤولون الذين نقلت عنهم الصحيفة، لكنني هنا لأوضح الأمر بشكل لا لبس فيه: لن يحدث ذلك»، مؤكداً «(أننا) لن ننهي الحرب إلا بعد أن نحقق جميع أهدافها، بما في ذلك القضاء على حماس وإطلاق سراح جميع الرهائن». وأردف: «لقد حدّد المستوى السياسي هذه الأهداف للجيش، ولدى الجيش كل الوسائل لتحقيقها». وختم كلامه بعبارة لافتة، حين قال: «نحن لا نستسلم للأرواح الانهزامية، لا في صحيفة نيويورك تايمز ولا في أي مكان آخر». ومن الواضح أن نتنياهو يعلم، حتى لو تعمّد إنكار ذلك، أن قيادة الجيش ترى بالضبط ما قاله «الجنرالات» للصحيفة، وإن كانت لا تُعلن هذا على الملأ. وبناءً عليه، اهتمّ رئيس الحكومة بالردّ بنفسه على التقرير، متهماً الجنرالات بأنهم أصحاب «أرواح انهزامية»، وهو تعبير سبق أن استخدمه حلفاؤه في اليمين المتطرّف، الوزيران إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش، في وصف قادة الجيش.
وفي التقرير نفسه، قال مستشار الأمن القومي، إيال حولاتا، للصحيفة، إنه «بما أن نتنياهو لا يلتزم بحلّ لليوم التالي في قطاع غزة، فإن الجيش يخشى من حرب أبدية، حيث ستُستنفد الطاقة والذخيرة تدريجياً، وسيبقى المختطفون في الأسر، وسيظلّ قادة حماس أحراراً». لذلك، برأي هولتا، فإن «الصفقة التي من شأنها أن تبقي حماس في السلطة مقابل إطلاق سراح أسرى إسرائيل، تبدو الخيار الأقل سوءاً». وأفاد مسؤولون إسرائيليون آخرون، الصحيفة، بأن «الجيش يدير الآن نوعاً من اقتصاد الأسلحة، بموجبه تمّ تقليل استخدام قذائف الدبابات في قطاع غزة، من أجل الاحتفاظ بمخزون الأسلحة لحرب محتملة في لبنان». كما أن هناك، بحسب المسؤولين، «نقصاً كبيراً في المعدات العسكرية، مثل قطع غيار الدبابات والمدرّعات».
أما مفوّض شكاوى الجنود السابق، اللواء إسحاق بريك، فأكّد، في حديث منفصل، أن «قصص الجيش الإسرائيلي التي تقول إننا نقتل العشرات أو المئات من المقاتلين في كل معركة هي كذبة كاملة، ولا يوجد أحد تقريباً قاتل وجهاً لوجه مقاتلي حماس». ولفت بريك الى «أننا ندمّر الأبنية، ولكننا لا نلحق أي ضرر بمقاتلي حماس، ولكننا نصاب بالمتفجّرات والفخاخ التي يزرعونها والصواريخ المضادة للدبابات التي يطلقونها». وشدّد بريك، المعروف بانتقاداته اللاذعة لطريقة إدارة الحرب على غزة منذ أيامها الأولى، على أن «القتال في القطاع فقد هدفه، ويجب أن يتوقف فوراً»، إذ «نحن غير قادرين على جعل حماس منهارة، لأننا لا نستطيع البقاء في الأراضي التي دخلناها».