غزة | بدّد جيش الاحتلال، منذ بداية معركة «طوفان الأقصى»، جهود سنوات من حملات الدعاية المدروسة، والتي كانت تروّج دائماً للفارق في مستوى المعيشة والتضحية بين عموم أبناء الشعب الفلسطيني، وقادة حركة «حماس» وأبنائهم. وأمس، قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزل شقيقة رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، الحاجة زهر (أم ناهض) التي تجاوزت الستين عاماً من العمر، فقتلتها مع نجلها وعائلته. وكانت قد اغتالت بالطريقة نفسها ثلاثة من أبناء هنية، هم حازم وأمير ومحمد، صبيحة يوم عيد الفطر وهم يتجهّزون لزيارة أرحامهم. قضى آنذاك الشبان الثلاثة وعدد من أبنائهم، في الوقت الذي كانت فيه عمليات التنظير والترويج للسردية الإسرائيلية قد انتقلت منذ بداية الحرب، من الشكل الاحترافي المبطّن على نحو نشر صورة لأحد قيادات «حماس» وهو في داخل أحد الفنادق في الخارج، إلى النموذج المباشر، من مثل إكراه الأهالي على حواجز التفتيش على إطلاق شتائم بحق زعيم الحركة في غزة، يحيى السنوار، وقياداتها بشكل جماعي، أو طباعة منشورات تروّج لكون قادة المقاومة في الخارج، يفاوضون على مستقبل الأهالي الذين يعانون المأساة في الخيام، بينما هم يعيشون في غرف مُكيّفة. لكن تلك السردية بدّدتها، أيضاً، الصور التي نُشرت لأبناء هنية الشهداء الثلاثة، وهم يبيتون ليلتهم في داخل خيمة في أحد مراكز الإيواء.وتقوم وجهة نظر قادة المقاومة من عمليات الاستهداف والملاحقة المستمرة لعائلاتهم المدنية، على أن جيش العدو يمارس أعلى مستويات الضغط الشخصي على عائلات القادة، من أجل دفعهم إلى التنازل على طاولات التفاوض. وبناءً عليه، أكّد هنية أنه «إذا كان العدو المجرم يظن أن استهداف أهلي سيغيّر من مواقفنا ومقاومتنا، فهو واهم. حماس قدّمت كل ما يمكن من مرونة، ووافقت من دون تردد على كل المشاريع التي طُرحت، شرط وقف العدوان والانسحاب الكامل من القطاع».
جيش العدو يمارس أعلى مستويات الضغط الشخصي على عائلات القادة


وإلى جانب ما تقدّم، هدم العدو بنفسه، رواية عمل على تعويمها لسنوات، تقسم قيادات «حماس» إلى تيار للحمائم وآخر للصقور، وتقول إن الحمائم الذين يُصنّف هنية دائماً كواحد من أعلامهم، سيكونون مستعدين في وقت ما لإبرام اتفاق سياسي مع دولة الاحتلال، على النحو الذي مثّله تيار الواقعية السياسية في هيكلية «منظمة التحرير»، إذ وضع جيش الاحتلال الجميع في كفة واحدة في استهداف عائلات قادة المكتب السياسي لـ«حماس»، مغتالاً، في وقت سابق، أعضاء في المكتب السياسي، منهم أسامة المزيني، وزكريا أبو معمر وجميلة الشنطي، فضلاً عن أنه استهدف كل منازل عائلات أعضاء المكتب السياسي.
في محصّلة الأمر، يمارس جيش العدو فعلاً انتقامياً أهوج. صحيح أنه يسبّب أذى بالغاً لقادة المقاومة على الصعيد الشخصي، لكنه يضعهم في مصاف 37 ألف شهيد في هذه الحرب، بوصفهم خيطاً في نسيج سجّادة الدماء، التي زعم العدو دائماً أن قادة الحركة يحوكونها من دون دفع أي ثمن.