غزة | يعكس التجوال في أسواق شمال وادي غزة، واقع الحال في المنطقة: العشرات من البسطات التجارية، لا يُعرض عليها سوى بضعة كيلوغرامات من البقوليات التي تضاعف سعرها عشر مرات، إلى جانب كميات محدودة من الخيار والبندورة، التي تباع بالحبة، ويصل ثمن الحبة الواحدة منها إلى 15 دولاراً. أما اللحوم والفواكه والخضر وكل الكماليات، فقد نسي الأهالي في شمال القطاع طعمها وشكلها. أبو نضال رضوان، هو واحد من هؤلاء الذين التقتهم «الأخبار» في سوق مخيم جباليا بعد أن أمضى ساعات في البحث عن ما يمكن طهوه. يقول: «لم أعثر منذ الصباح على أي شيء. الخُضر التي كانت تباع بأقل من نصف دولار للكيلو، اختفت. وجدت كيلو فلفل أخضر بسعر 100 دولار. سعر كيلو السكر وصل إلى 30 دولاراً، والأرز تجاوز سعره الـ 25 دولاراً. أما اللحوم، فنسينا طعمها وشكلها منذ زمن». ويتابع الرجل الذي يبلغ عمره 62 عاماً، ويعيل عائلة مكوّنة من 10 أفراد: «لا يتوفّر في شمال القطاع سوى الطحين. بدأنا بطهو أوراق الشجر. لا نجد شيئاً نأكله».ووفقاً لما أعلنه المكتب الإعلامي الحكومي، فإن جيش الاحتلال لم يسمح منذ 50 يوماً بدخول أي شاحنة من المساعدات إلى شمال القطاع، وقد تسبّب ذلك بدخول الأهالي في موجة من الجوع. أما في جنوب غزة، فإن المسار الآمن الذي زعم العدو افتتاحه لعبور شاحنات المساعدات والبضائع التجارية، فأضحى مصيدة لعناصر «الوحدات الشعبية لتأمين البضائع والشاحنات»، حيث قصف العدو، خلال الأيام الأخيرة، مجموعة من التجار والعاملين في تلك الوحدات، ما تسبب باستشهاد خمسة منهم. ومنذ بدء الاجتياح الإسرائيلي الأخير لمخيم جباليا في الثلث الأول من أيار الماضي، والذي تزامن مع بدء العملية البرية في مدينة رفح جنوبي القطاع، وإغلاق كل المعابر الحدودية، أوقف جيش العدو تنسيق دخول شاحنات البضائع التجارية إلى مناطق شمال وادي غزة، مبقياً على عمل «برنامج الأغذية العالمي» والذي ينحصر في تشغيل عدد من المخابز، التي أعلنت أخيراً أنها ستوقف عملها بسبب عدم توفّر وقود السولار اللازم لتشغيلها.
وأمام ذلك الواقع الصعب، تقول إيمان الزرد، وهي نازحة تسكن في مخيم جباليا، إنها تضطر لتحميص الطحين الأبيض، وتمليحه ووضع بعض التوابل عليه، وتحشوه لصغارها. وتضيف المرأة التي تعيل عائلة مكوّنة من سبعة أفراد: «هذه هي الدقة الكذّابة، المفترض أن تُصنع من القمح المحمص، لكن لا يتوفر أي نوع من البقوليات في الأسواق. نحن نحشو الطحين الأبيض، بالخبز الأبيض. والأولاد يعانون من سوء التغذية ومن الهزال. منذ أشهر لم نأكل طعاماً صحياً مثل الخضر والفواكه واللحوم». وطاولت الانعكاسات الصحية لموجة الجوع الحالية، على نحو شديد التأثير، الأطفال وكبار السن. وبحسب الدكتور حسام أبو صفية، وهو مدير مستشفى كمال عدوان في محافظة شمال غزة، فإن المئات من الأطفال لا يجدون الحليب والمكمّلات الغذائية، ما تسبب بوفاة أحد الأطفال الرضع.
ويقول تقرير نشرته «لجنة الأمم المتحدة لمراقبة الجوع»، إن «واحداً من كل خمسة من سكان قطاع غزة، يواجه خطر الجوع، في ظل مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي»، مضيفاً أن «الوضع الغذائي في غزة تدهور بعد تجدّد الهجمات الإسرائيلية وتشديد الحصار، ولا يزال هناك خطر كبير من المجاعة في جميع أنحاء القطاع، وطالما استمر الصراع فإن وصول المساعدات سيبقى مقيداً».