رام الله | في تعليقه على ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، من وجود خطّة سرّية لديه للسيطرة على الضفة الغربية، أكد وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، أمس، أن «ذلك ليس سرّاً، وكل ما أفعله واضح». والواقع أن خطّته التي تناقلتها مختلف وسائل الإعلام العالمية، ليست سرّية كما قيل عنها؛ ذلك أنها تشكّل صلب برنامجه الانتخابي المعلن، وأساس اتفاقه مع حزب «الليكود» لتشكيل الائتلاف الحكومي، وبرنامج عمله على الأرض خلال الأشهر الماضية. ومنذ تولّيه منصبه الوزاري، عمل سموتريتش على تنفيذ الخطّة المشار إليها، عبر تخصيص مبالغ مالية كبيرة للاستيطان، في موازاة دفع السلطة الفلسطينية إلى الانهيار، فضلاً عن إشعال الأوضاع الأمنية في الضفة على أيدي عصابات المستوطنين. وعن هذا، قال عضو الكنيست، ميراف كوهين، أمس، إن «بن غفير وسموتريتش يهدفان إلى تصعيد الوضع لحدوث انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، ونتنياهو يعرف كل ذلك، كل العلامات التحذيرية موجودة».وتحمل الخطّة، التي استعرضها الوزير المتطرّف أمام بعض المستوطنين، تفاصيل حول كيفية السيطرة على الضفة، من دون الحاجة إلى إعلان ضمّها بشكل علني من قِبَل الحكومة، لئلّا يثير الأمر انتقادات دولية ضدّ إسرائيل، وذلك عبر تعزيز السيطرة عليها عبر الإدارة المدنية، بهدف منع إقامة دولة فلسطينية تكون الضفة جزءاً منها. ويبدو جوهر الخطة واضحاً عبر الإجراءات التي بدأها الوزير منذ دخوله الحكومة، والتي تقوم على انتزاع السيطرة على الضفة من جيش الاحتلال وتسليمها إلى موظفين مدنيين يعملون تحت إمرته في وزارة الجيش، ونقل بعض السلطات إلى هؤلاء، في ما يشبه ما كان قائماً قبل «اتفاقية أوسلو» ودخول السلطة الفلسطينية إلى الأراضي المحتلة.
وفي الموازاة، يعترف سموتريتش بأن الحكومة أنشأت «نظاماً مدنياً منفصلاً» تحت غطاء بقاء الجيش في العملية، حتى يبدو للعالم وكأن الأخير لا يزال في قلب الحكم في الضفة، ما يسهل ابتلاعها من دون اتهام من أحد لإسرائيل بضمّها.
والواقع أن هذا يحدث منذ أشهر؛ إذ إن مصادر عبرية أكدت أن الجيش نقل، خلال المدة الماضية، صلاحيات قانونية كبيرة في الضفة إلى موظّفي الخدمة المدنية المؤيدين للمستوطنين والعاملين لدى سموتريتش. وتُعدّ الإدارة المدنية الإسرائيلية التي تتّخذ من مستوطنة بيت إيل المقامة على أراضي محافظة رام الله والبيرة مقراً لها، مسؤولةً بشكل رئيسي عن التخطيط والبناء في المنطقة «ج» من الضفة، والتي تشكّل 60% من مساحتها الإجمالية، وتخضع للسيطرة الإدارية والأمنية الإسرائيلية الكاملة، فيما سموتريتش نفسه يعيش في إحدى المستوطنات (كدوميم المقامة على أراضي نابلس شمالي الضفة الغربية) التي يصنّفها القانون الدولي على أنها غير قانونية. ومن شأن عملية نقل الصلاحيات إلى موظفين مدنيين، وتنحية ضباط الجيش عن الإشراف على معظم عملية توسيع البناء في الضفة، ومصادرة الأراضي وشقّ الطرق، أن يسهل ابتلاع المسألة على الصعيد الدولي والقانوني «حتى لا يقولوا إنّنا نضمّ المنطقة». أيضاً، أكد سموتريتش، في تسجيله المسرّب، أن «رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، معنا بشكل كامل، وهو على علم بنقل الصلاحيات إلى الجهات المدنية، وذلك ما ينص عليه الاتفاق الائتلافي بين الليكود والصهيونية الدينية».
وتنسجم الخطّة التي أعلنها وزير المالية المتطرّف، مع خلفيته العقائدية والسياسية وبرنامجه الانتخابي، وهو الذي نذر نفسه، منذ دخوله المعترك السياسي، لخدمة المشروع الاستيطاني في الضفة. وكان سموتريتش قد طالب نتنياهو (في الحكومة الـ34) بشغل منصب وزير العدل، ولكنه فشل في الحصول عليه، ثمّ طلب وزارة شؤون الشتات وفشل، فأعطاه نتنياهو بدلاً منها وزارة المواصلات التي لم تلبِّ طموحاته، ولكنه في المرة الأخيرة استغل حاجة رئيس الحكومة إلى تشكيل ائتلاف، فأصرّ على وزارة المالية، ومنصب في وزارة الأمن لدورهما في خدمة الاستيطان، فحصل عليهما.
تعتمد خطّة سموتريتش على ثلاث ركائز، هي: إمّا هجرة الفلسطينيين، أو موتهم، أو موافقتهم على أن يكونوا عبيداً لدى اليهود


وعبر سيطرته على وزارة المالية، تمكّن من إيقاف تحويل مخصّصات الضرائب إلى السلطة الفلسطينية، وقدم ميزانيةً تتجاهل الحرب وتقلّص ميزانيات الدواء والتعليم لمصلحة تمويل أحزاب الائتلاف والاستيطان. كذلك، أعلن الرجل معاداته للعلمانيين واليساريين في إسرائيل، وطالب بأن يكون التوراة مصدر التشريع فيها، فيما لا يعترف أصلاً بوجود أيّ حدود للاستيطان. وخاض سموتريتش الانتخابات الأخيرة وفقاً لخطة يطلق عليها «الأمل الوحيد»، مبنيّة على الفكر الفاشي العنصري، وتهدف بشكل مطلق ونهائي إلى إنهاء أيّ وجود فلسطيني عربي قومي في أرض فلسطين، ومنع إقامة أيّ كيان فلسطيني غربيّ نهر الأردن. ويعني اسمها أنها الأمل الوحيد للصهيونية وإسرائيل، فيما تعتمد على ثلاث ركائز، هي: إمّا هجرة الفلسطينيين، أو موتهم، أو موافقتهم على أن يكونوا عبيداً لدى اليهود.
على أن خطّة سموتريتش لم تكن دعاية انتخابية، بقدر ما هي خطّة عملية، نُفّذ جزء كبير منها على الأرض، فيما يَجري العمل على تنفيذ ما تبقّى منها. ومن ضمن ذلك، اشتغال الوزير، منذ دخوله الحكومة، على صياغة سياسة جديدة في ما يتعلّق بهدم المباني التي توصف بأنها غير قانونية في المنطقة (ج)، مقابل زيادة البناء اليهودي فيها، ووقف البناء الفلسطيني في تلك المناطق. كما تتضمّن الخطة فرض السيادة الإسرائيلية على أراضي الضفة، وتكثيف الاستيطان اليهودي فيها، وحلّ السلطة الفلسطينية، وتشجيع الفلسطينيين على الهجرة إلى الخارج. وهي تقدّم بدائل مستمدّة من فحوى «إنذار يوشع بن نون» لسكان مدينة أريحا، عشية اقتحامها قبل أكثر من ألفَي عام، والذي جاء فيه: «إن المستعدّ للتسليم بوجودنا هنا فليُسلّم، ومن يرد المغادرة فليُغادر، ومن يختر القتال عليه انتظار الحرب». وعلى المنوال نفسه، يقول سموتريتش: «ليس اليأس هو الذي يولّد الإرهاب، بل الأمل في قيام دولة فلسطينية، وهذا الأمل هو ما أنوي اقتلاعه».