رام الله | تتراكم الهزّات التي تضرب الائتلاف الحكومي بقيادة بنيامين نتنياهو، والذي بات مهدّداً بالانهيار أكثر مما كان عليه في أيّ وقت مضى، بعدما أصبحت الخلافات داخله مكشوفة منذ انسحاب عضوَي مجلس الحرب، بيني غانتس وغادي آيزنكوت، والذي جعل نتنياهو عرضة لابتزاز أكبر من قبل أركان ائتلافه من اليمين المتطرّف، سواء حزب «شاس» أو الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، إلى جانب خلافاته مع أعضاء داخل حزبه «الليكود»، على خلفية القوانين التي يعمل رئيس الحكومة على تمريرها، وأيضاً ما يطفو من مشكلات متراكمة مع المؤسسة العسكرية على السطح. ورغم سعي نتنياهو إلى احتواء الخلافات التي تتهدّد حكومته، لكن ذلك لن يطيل في عمرها سوى قليلاً، قبل أن يعود الصدع ليفرض نفسه بقوّة، نظراً إلى الحاجة إلى اتّخاذ قرارات، ولا سيما ما خصّ العملية العسكرية في رفح.وإزاء هذا الخلاف، قالت صحيفة «هآرتس»، أمس، إن رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هليفي، «بدأ يفقد صبره»، إذ «يريد الجيش الإسرائيلي إنهاء الحرب في غزة، لكن نتنياهو يعطّل ذلك لاعتبارات سياسية». ولفتت الصحيفة إلى أن لحظة الحقيقة ستأتي خلال الأسابيع المقبلة، حين ينهي الجيش هجومه على رفح من دون هزيمة حركة «حماس»، وفي ظلّ ارتفاع عدد الجنود القتلى (أُعلن عن مقتل 21 جندياً في قطاع غزة خلال حزيران). وبحسب الصحيفة، فإن الجيش الإسرائيلي يخطّط لتغيير شكل الحرب على القطاع بعد الانتهاء من رفح، وسيطلب من رئيس الحكومة الوصول إلى حالة «وضوح إستراتيجي»، وإنهاء القتال بشكله الحالي، والتركيز على اقتحامات ضدّ أهداف لـ«حماس»، وهو ما يرفضه نتنياهو، كونه لا يحقّق له النصر المأمول. ورأت «هآرتس» أن الهدف الأول لرئيس الحكومة هو البقاء في الحكم، وتجاوز دورة «الكنيست» الصيفية، أملاً في فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية، كون ذلك يُعدّ أفضل بالنسبة إليه من وقف دائم لإطلاق النار، وفشل الحرب في تحقيق أهدافها، وانسحاب أحزاب اليمين المتطرّف وانهيار الحكومة.
لكن انسحاب أحزاب اليمين، لا يتعلّق فقط باستمرار الحرب من عدمها، بل هناك أسباب أخرى قد تؤدي إلى خروجها، ومنها إصرار إيتمار بن غفير على أن يكون عضواً في ما يعرف بـ«المطبخ السياسي المصغر» الذي حلّ محلّ «مجلس الحرب»، ليكون شريكاً في اتّخاذ القرارات وإدارة الحرب. وبالفعل، لوّح الرجل بالاستقالة من الائتلاف الحكومي، بعد رفضه رشوة من نتنياهو بإشراكه في مجلس جديد سيقوم بإنشائه، قائلاً إنه لن يبقى في حكومة «ترفع الراية البيضاء». أمّا الملف الآخر الذي يهدّد الائتلاف، فيتعلّق بسلسلة قوانين تطالب الأحزاب اليمينية بإقرارها، ومنها «قانون الحاخامات» الذي يدفع في اتجاهه حزب «شاس»، علماً أنه تسبّب في خلافات داخل الائتلاف الحكومي وحزب «الليكود»، اضطرّ نتنياهو على إثرها إلى سحبه قبل التصويت عليه في «الكنيست» بالقراءة الأولى، بداعي عدم وجود غالبية لمصلحته. وينصّ مشروع القانون، الذي يعارضه «الليكود» وأعضاء من حزب «عوتسما يهوديت»، على نقل صلاحيات تعيين الحاخامات في المدن، من السلطات المحلية إلى وزارة الأديان التي يتولّاها موشيه ملخيئيلي من «شاس». وفي ضوء سحب المشروع، هدّد «شاس»، «الليكود»، بالقول إن «تفكيك الائتلاف بشكل كامل ليس إلا مسألة وقت»، فيما اتهم رئيسه، أرييه درعي، نتنياهو بأنه «فقد السيطرة على الائتلاف وحكومته تسيء للجمهور الحريدي». وذكرت مصادر عبرية، من جهتها، أن رئيس الحكومة لم ينسّق مع «شاس» في شأن إزالة مشروع القانون عن الأجندة.
وإلى جانب ما تقدّم، يبرز تلويح أعضاء «الكنيست» من الأحزاب «الحريدية» المشاركة في الائتلاف، بإسقاط الحكومة، في ظلّ الخلاف حول «قانون التجنيد» الذي يُبقي على إعفاء «الحريديين» من الخدمة العسكرية الإلزامية، بحسب ما أفادت به «هيئة البث الإسرائيلية». وتفضّل تلك الأحزاب عدم المضيّ قدماً في سنّ القانون في المرحلة الحالية، حتى لو أدى هذا إلى تعليق تمويل الحكومة للمعاهد التوراتية والمدارس الدينية، وذلك بسبب الانقسام الحادّ حول مسألة التجنيد والجدل الذي عاد في شأنها إلى الواجهة في ظلّ الحرب الإسرائيلية على غزة. ونبه أعضاء «كنيست» «حريديون» إلى أن «قانون التجنيد» أمر «جوهري» من شأنه أن يؤدي إلى إسقاط الحكومة، واعتبروا أن «هذا ليس الوقت المناسب للتعامل مع هذه المسائل»، رغم طلب «المحكمة العليا» من الحكومة تقديم ردّها في شأن القانون، علماً أن المستشارة القضائية للحكومة تعتقد أنه يجب وقف تمويل المعاهد التوراتية والاستعداد لبدء تجنيد «الحريديين» بدءاً من الأول من نيسان المقبل.
أيضاً، ألمح أعضاء «الكنيست» أنفسهم، إلى إمكانية المطالبة بتغيير الحكومة، إذ «يبدو أن حكومة أخرى ستكون أكثر استعداداً للأخذ في الحسبان مطالب الجمهور الحريدي أكثر من الحكومة الحالية»، بحسب ما أوردته «كان 11».
وعلى خلفية ذلك، حذّر وزير القضاء، ياريف ليفين، من أن الأزمة حول «قانون التجنيد»، تُعدّ «حدثاً كارثيّاً» يهدّد استقرار الحكومة وجماهيرية «الليكود»، داعياً هذا الأخير إلى الوفاء بالوعود التي قطعها لـ«الحريديين» في الاتفاقات الائتلافية من جهة، مع إقراره بأنه سيترتّب على هذا «ثمن سياسي كبير»، لأن ناخبي «الليكود» يرفضون مواصلة إعفاء اليهود المتدينين من الخدمة العسكرية. وقال ليفين: «لسنا في مأزق سياسي، هذا حدث كارثي حقيقي. حتى نحن (ناخبو الليكود) لا نقبل عدم تجنيد الحريديين في صفوف الجيش، إنها ليست مسألة يمين أو يسار. نحن في وضع صعب جداً. لا يمكن ترك الأمر هكذا من دون قانون. نحن لا نتهرّب من رغبتنا والتزامنا بحلّ هذه القضية، لكنني أعرف أن السعر الجماهيري سيكون رهيباً». وكان قد أثار القانون المذكور بلبلة داخل حزب «الليكود»، إذ رفضه وزير الأمن يوآف غالانت، فيما أخطر وزير الاقتصاد نير بركات، نتنياهو، بأنه وأعضاء «كنيست» آخرين من حزبه يعتزمون معارضته، ليردّ «الليكود» على بركات، متّهماً إيّاه بأنه «يبحث عن أعذار لإسقاط حكومة يمينية خلال الحرب».