لم يكن من قبيل الصدفة أن يعمد «الإعلام الحربي» اليمني إلى تزويد قناة «الجزيرة» بمشاهد حصرية لاستهداف السفينة اليونانية «توتور» بزورقين هجوميين الأسبوع الماضي، ما أدّى إلى غرقها في البحر الأحمر. ويبدو أن اليمن أراد توجيه رسالة ردع قاسية إلى شركات الشحن العاملة في الفلك الغربي أو التي تأتمر بأوامر الولايات المتحدة، خصوصاً أن هذه الشركات خوطبت أكثر من مرة من قبل صنعاء، إلا أنها لم تلتزم بوقف رحلاتها إلى الكيان الإسرائيلي، في حين تمتثل بشكل كامل لتعليمات البحرية الأميركية التي وظّفتها سياسياً أكثر من مرة بما يخدم خطط واشنطن. فمثلاً، طُلب من تلك الشركات في بداية المعركة البحرية، التوقف عن العبور من مضيق باب المندب والبحر الأحمر في محاولة لتأليب الرأي العام الدولي على «أنصار الله». وعندما فشلت هذه المحاولة، عمدت البحرية الأميركية إلى الطلب من بعض السفن خرق الحصار الجزئي على إسرائيل. ومن هنا، تُفهم عملية استهداف «توتور»؛ إذ إن الشركات اليونانية تُعدّ من أكثر الشركات الغربية استجابة للمطالب الأميركية. كما أن السفينة الغارقة مملوكة لإحدى الشركات اليونانية التي تُعتبر الأكثر اختراقاً للحصار على العدو، بتسيير ناقلات الشحن عبر البحر المتوسط نحو الموانئ المحتلة. أيضاً، ظهر، في الأشهر الثلاثة الماضية، أن اليونان من أشد الدول الأوروبية اندفاعاً إلى لعب دور مركزي في تحالف «أسبيدس»، إذ تقدّمت أثينا الصفوف في التحالف المذكور بعد تراجع برلين وعودة فرقاطتها الوحيدة إلى البلاد، فيما تُدار المهمة من قاعدة عسكرية في لاريسا في وسط اليونان تحت قيادة الكومودور في البحرية اليونانية، فاسيليوس غريباريس. حتى إن تسمية «أسبيدس» مأخوذة من اللغة اليونانية وتعني «الدرع».
وعليه، يبدو واضحاً أن اليونان تغلّب علاقاتها بالكيان الإسرائيلي، والتي توصف بـ»الاستراتيجية»، على ما عداها. وهي عقدت في السنوات الماضية العديد من الصفقات العسكرية مع العدو، ومن أبرزها صفقة أُبرمت عام 2021، تقوم بموجبها شركة «إلبيت سيستمز» الإسرائيلية بتشغيل مركز تدريب للقوات الجوية اليونانية، وفقاً لعقد قيمته حوالي 1.65 مليار دولار، وتزويد اليونان بطائرات تدريب جديدة من طراز «إم-346»، وصيانة أسطول التدريب الكامل للقوات الجوية اليونانية، والذي يضم عشرات الطائرات من هذا الطراز وطراز «تي – 6» لمدة 20 عاماً.
الشركات اليونانية تُعدّ من أكثر الشركات الغربية استجابة للمطالب الأميركية


وفي إطار هذه الصفقة، تعمّق التعاون العسكري والأمني بين الدولتين، وانتقل إلى مرحلة متقدّمة، إذ أجرت اليونان وإسرائيل عدة مناورات جوية وبحرية خلال الأعوام السابقة بمشاركة العديد من الدول، وأبرزها الولايات المتحدة وفرنسا. كما أن العلاقات الأمنية تعزّزت في السنوات الماضية بين إسرائيل واليونان وقبرص بشكل خاص، برعاية أميركية. وخلافاً للادّعاء اليوناني بأن أثينا لا تناصب «أنصار الله» العداء، إلا أن تصرفاتها لا تخرج عن سياسة «الناتو» المنخرطة في مواجهة صنعاء في أكثر من مجال. وقد دشّن وزير الدفاع اليوناني، نيكوس دندياس، عمل بعثة «أسبيدس» بالقول إن بلاده والاتحاد الأوروبي «يشعران بالقلق من مدى تطوّر النهج الذي يتّبعه الحوثيون، وخطرهم على الملاحة».
أيضاً، تزعم الحكومة اليونانية أن «هدفها دفاعي، وأن اليونان لن تشارك في الهجمات التي تقودها الولايات المتحدة ضد الأراضي اليمنية ولكنها ستشارك في إطار يمكنه تحقيق التعاون مع حليف أو حلفاء آخرين، باعتبار أن إبقاء خطوط التجارة البحرية مفتوحة هو في المصلحة المطلقة للاتحاد الأوروبي وهو ضرورة وجودية لليونان»، على حد قول وزير الدفاع اليوناني.
لكنّ أحزاب المعارضة في أثينا رفضت المشاركة في بعثة «أسبيدس»، وإرسال الفرقاطة اليونانية إلى البحر الأحمر بدعوى حماية السفن التجارية، واعتبرت أن هذه المشاركة تزج بالبلاد بشكل أعمق في خطط إمبريالية خطيرة ترتبط ارتباطاً مباشراً بالولايات المتحدة.
وتضرّرت اليونان بشكل مباشر جراء مشاركتها في تحالف «أسبيدس»، على رغم أن المشاركة المذكورة لم تحدث فارقاً؛ إذ لم تستطع الفرقاطة اليونانية حماية أيّ من السفن الغربية أو حتى السفن التجارية المملوكة للبلاد. كما تعرّضت عدّة سفن يونانية للاستهداف من قبل القوات المسلحة اليمنية، فيما شهد ميناء بيرايوس، وهو أكبر ميناء في اليونان، انخفاضاً في النشاط بنسبة 40%.