إسرائيل عاشت، في الأشهر الأخيرة، صدمة فشل الرهان على الانتصار عبر القتل والتدمير
وبالنسبة إلى شريكة إسرائيل في حربها على غزة، الولايات المتحدة، فإن الحرب استنفدت نفسها، وبات استمرارها يأكل من إنجازاتها التكتيكية. ولهذا، تطالب واشنطن، تل أبيب، بأن تعمل على إيجاد مخرج سياسي للحرب، يتيح تقليص ما أمكن من أضرارها، وفي المقدمة الخروج من حالة الاستنزاف التي لا أفق لها. ومنذ اليوم الأول، سعت الولايات المتحدة إلى دفع إسرائيل إلى بلورة ترتيب أمني وسياسي في قطاع غزة، لليوم الذي يلي الحرب، وهو ما يعبَّر عنه بـ«الرؤية الاإستراتيجية» لِما بعدها، إلا أن محاولاتها تلك لم تصل إلى حدّ ممارسة «الضغط الفعال» لفرض رؤيتها على إسرائيل، وهو ما ميّز أداء إدارة الرئيس جو بايدن طوال أشهر الحرب الطويلة.
لكن إسرائيل ظلّت تُراهن، طوال مدة الحرب، على أن تؤدي عملياتها إلى استسلام المقاومة، فيما ما يُقال ويُكتب ويقدّر الآن، عن أن أهداف الحرب لا يمكن تحقيقها، هو في الواقع حديث «الحكمة ما بعد الفعل». فإسرائيل، بمعظم مسؤوليها وخبرائها وكتابها، علّقت الآمال على القتال، ليس لناحية تحقيق الأهداف في قطاع غزة فقط، بل أيضاً تحقيق «انتصارات» على ساحات أخرى، على رأسها لبنان. إلا أن الكيان عاش، في الأشهر الأخيرة، صدمة فشل الرهان على الانتصار بالقتل والتدمير؛ وبمقدار ضخامة الرهان، جاء وقع الصدمة عالياً جداً، وهو ما يدفعه إلى رفض الاعتراف بالفشل. ومع ذلك، فقد دلّ مقترح الاتفاق الذي أعلنه الرئيس الأميركي، جو بايدن، ونسَبه إلى نتنياهو بهدف إلزامه به - علماً أن المقترح صادر بالفعل عن رأس الهرم السياسي في تل أبيب - على أن الأخير مدرك للواقع، وليس منفصلاً عنه، لكن الابتعاد عن الرهان على «النصر المطلق»، يستلزم وقتاً طويلاً، وتحديداً في الحالة الإسرائيلية الراهنة، حيث تتشابك المصالح الشخصية والعامة والأيديولوجية، مع فقدان أدوات الضغط المؤثرة على القرار، وهو ما يفيد في إطالة أمد الحرب.
على أي حال، فإن الأطراف المعنيين، بمن فيهم الوسطاء المنحازون، يتفاوضون على شروط إنهاء حرب الاستنزاف، في الميدان، بما يشمل كذلك جبهات المساندة في لبنان والمنطقة، وهو ما ينتج المعادلة التالية: صمود فلسطيني أسطوري في مقابل عجز إسرائيلي عن حصد إنجازات إستراتيجية، وتداعيات يبدو الكيان معنياً بالحؤول دون تمدّدها في أكثر من مستوى واتجاه داخلي وخارجي.