لا ينقطِع سيل الأخبار في الوقت الحالي، من منصات وتلفزيونات الإعلام المموّل ــــ خليجياً على وجه الخصوص ــــ بأخبار وتصريحات ونقل مصادر عن تهديد جدي من قوّات الاحتلال الإسرائيلي بفتح جبهة جنوب لبنان أو بهجوم برّي على لبنان. أياً كان الخبر، فإنك تشعر لدى ناقله ـــ البعيد عن الشفافية والمهنية بطبيعة الحال بوجود نوع من التشفّي. كأنه سيخرج من بين أحرف كلماته ليقول لقوات الاحتلال: «أرجوكم اضربوا لبنان. ونحن بمخزوننا الكريه، نُبرّر لكم». كأن هؤلاء ومموّليهم يعيشون على صراخ الأطفال ومشاهد الأبنية المدمّرة وقصص اليُتم والفقد والوحشة والموت.
(محمد سباعنة ـ فلسطين)

لا بُدّ من أن يخالجك شعور الاستغراب، ما هذا الحقد على فلسطين ولبنان؟ من أين هجم علينا هذا السرب الكبير من الغربان، لينعق فوق موتنا ويجلب معه مقتل الطيور الجارحة؟ من موّل وصنع هذه التركيبة المُختلّة أخلاقياً وإنسانياً والباردة الميّتة التي أخرجت دُمى مثل هذه علينا؟
نُخب وإعلاميون ومحطات ومنصات بملايين الدولارات يمارسون حرباً نفسية بالنيابة عن منظومة الصهيونية الإعلامية، يهدّدوننا بالموت والهجرة والألم، كيف بإمكانك أن تُقنعنا بعد ذلك أن في الأمر براءة ما وأنهُ ليس مدفوعاً ومحضّراً؟ ليست تلك التهديدات والتشفّيات والسيناريوهات الديستوبية التي ينقلها إعلام السعودية والإمارات وسوروس عن صورة مهدّمة للبنان ورائحة الموت تعبق في الجو، إلا نتيجة ما صار عليه الخليج ومعظم العالم العربي حتى، كقواعد متقدمة للاستعمار الأميركي في المنطقة. ألسُن تنطق بالعربية لكن برغبات وطموحات عبرية.
بالفعل، وبغض النظر عن الحرب والرغبات بموتنا، أين هذه النُخب من هموم الناس وقضايا الشعوب وهمّ العالم؟ ماذا تفعل غير الرقص والتباهي الاستهلاكي المريض بمنتجات تأتيها من الخارج، فترى حصولها عليها إنجازاً؟ في الحقيقة، معظم نُخب العرب، من المحيط إلى الخليج، يُرثى لها، وظهر ذلك في الكثير من الحالات، مثل حفلات دبي في ظل المذابح على بُعد أمتار في غزة أو ذلك العماء بالأضواء الذي وصل إلى عمر دياب ومحمد صلاح وأحمد السقا وكثيرون غيرهم، ليصبحوا نسخاً بلاستيكية مشوّهة، تستمرّ في احتفالاتها بينما على بُعد أمتار من صخبهم غير المستتر وغير الآبه، ثمّة من يلوك ألمه صمتاً وثمّة من ترتكب بحقّه مذبحة على بث مباشر طوال اليوم وعلى مدار الساعة.
ماذا يريد منّا هؤلاء؟ أن نصير نسخاً بلاستيكية ميتة مثلهم ولا نقاوم من يرفع سلاحه علينا ليقتلنا؟ أن نصنع من أجسادنا مكاناً ليبتزّه العالم الحقير هذا، وعندما يريد، تحلّق طائراته لتحيلنا أشلاء أو يقطع عنّا حنفية الدولارات، فيرمينا في فم اليأس والجوع الفقر وانعدام المستقبل لنرمي أنفسنا بين حرارة خيمة اللجوء أو نغرق في مركب هروب؟
هذا هو العالم الذي يريدون لنا القبول به. عالم تصير فيه أجسادنا لعباً تُباع وتُشرى ويُتاجر بها في سوق العبيد. عالم حيث السودان يشهد مذبحة بدعم الإمارات وتطهيراً عرقياً في غزة بدعم أميركي، فيما يجني رأس المال العالمي تعب الأطفال في مناجم الكوبالت والألماس في الكونغو، ثمّ يتركهم فريسة الموت. والمطلوب منّا أن لا نرفض ذلك ولا نقاومه؟ تلك تعريفاتهم عن الحياة والكرامة والعيش الرغيد.