بكين | خيمت القضية الفلسطينية على الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لـ«منتدى التعاون الصيني - العربي» الذي استضافته الصين، الخميس، في دار ضيافة «دياويوتاي» في بكين، بحضور رؤساء كل من تونس، قيس سعيد، ومصر، عبد الفتاح السياسي، والإمارات، محمد بن زايد، وملك البحرين، حمد بن عيسى، إضافة إلى الأمين العام لـ«جامعة الدول العربية»، أحمد أبو الغيط، وعدد من وزراء الخارجية والوفود من دول عربية أخرى. وألقى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الكلمة الرئيسة لحفل الافتتاح، قبل أن تتبعها كلمات المسؤولين الخمسة المشار إليهم. ورأى شي أن الحرب في غزة «لا يجوز أن تستمر إلى أجل غير مسمّى، كما لا يجوز غياب العدالة إلى الأبد والاستمرار في زعزعة حل الدولتين بشكل تعسفي»، مؤكداً، مرة جديدة، أنّ «الجانب الصيني يدعم بثبات قيام دولة فلسطينية مستقلة، بناءً على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحصول فلسطين على العضوية الكاملة في (الأمم المتحدة)، وعقد مؤتمر دولي للسلام بمشاركة أوسع ومصداقية أكبر». كما أعلن شي أنّ الصين ستقدم مساعدة بقيمة 500 مليون يوان للتخفيف من حدة الكارثة الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، ليُضاف هذا المبلغ إلى المساعدات الإنسانية العاجلة التي أُعلن عنها سابقاً، والتي بلغت قيمتها 100 مليون يوان. وستقدم الصين، كذلك، بحسب شي، 3 ملايين دولار أميركي لوكالة «الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا)، لـ«دعمها في تقديم مساعدات إنسانية عاجلة إلى القطاع».ويأتي هذا في وقت تستمر فيه الولايات المتحدة في تعليق تمويلها للوكالة، وبعد أيام قليلة من تصديق «الكنيست» الإسرائيلي، بقراءة تمهيدية، على مشروع قانون يقضي بتصنيف «الأونروا» كمنظمة «إرهابية»، وبالتالي قطع جميع أشكال العلاقات معها. وعليه، تعكس الخطوة الصينية، جنباً إلى جنب تراجع عددٍ من الدول الغربية أخيراً عن قطع تمويل الوكالة، استمرار تراجع «مصداقية» إسرائيل على الساحة الدولية، بعدما فشلت في تقديم أي أدلة مقنعة تثبت مزاعمها حول مشاركة موظفي الوكالة في عملية «طوفان الأقصى»، في السابع من تشرين الأول الماضي.
من جهته، عبّر أبو الغيط، في كلمته الافتتاحية أيضاً، عن «إحباط عميق» إزاء «عدم قدرة المجتمع الدولي على إيقاف» المجزرة الدائرة في غزة، معتبراً أنّ هذا الواقع يطرح علامات استفهام حول مصداقية النظام الدولي القائم على القواعد، في وقت «تضع فيه دولة نفسها فوق» هذا النظام. وجدّد الرئيس التونسي، قيس سعيد، بدوره، «موقف بلاده الثابت المتعلق بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقه السليم في كل أرض فلسطين، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف». كما أشار إلى أنّ «المجتمع الإنساني بدأ اليوم ينتفض في كل مكان، ضدّ هذا العدوان والجرائم البشعة»، لافتاً، كذلك، إلى أنّ هذا «المجتمع بدأ يتشكل بطريقة جديدة، وبدأ يتجاوز النظام الدولي القديم، وما نراه اليوم من تظاهرات في جميع أنحاء العالم يدل بوضوح على أنّ هناك شيئاً جديداً بدأ يظهر في تاريخ الإنسانية كلها».
أعلن شي عن دعم صيني بقيمة 3 مليون دولار أميركي لوكالة «الأونروا»


وبعد ساعات من الحفل الافتتاحي للمنتدى، عقد كل من أبو الغيط ووزير الخارجية الصيني، وانغ يي، ونظيره الموريتاني، محمد سالم ولد مرزوك، مؤتمراً صحافياً مشتركاً، أعرب خلاله الأول عن «بالغ التقدير للمواقف الصينية الداعمة للشعب الفلسطيني»، مشيراً إلى أنّ الجانب العربي «يتطلع إلى استمرار هذا وتعميقه» في المستقبل، كما شكر «الصين على دعم وكالة الأونروا والمساعدات الأخرى التي تقدمها للشعب الفلسطيني». وطبقاً لأبو الغيط، فقد سبقت انعقاد المنتدى جملة من اللقاءات العربية - الصينية في الأيام المنصرمة، تخلّلتها مناقشة موضوعات عدة، وعلى رأسها التوترات الأخيرة في الشرق الأوسط، «والمأساة الكبرى التي يعانيها الشعب في غزة جرّاء 8 أشهر من العدوان الإسرائيلي على القطاع».
وفي الختام، صدر عن المنتدى بيان مشترك حول فلسطين، أدان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأعاد التشديد على ضرورة انعقاد مؤتمر دولي للسلام، ضمن إطار زمني محدد، وبضمانات دولية تفضي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، والجولان السوري المحتل وباقي الأراضي اللبنانية المحتلة. كما طالب مجلس الأمن بتبني قرار ملزم لتحقيق الوقف الفوري والشامل والدائم لإطلاق النار، وإنهاء التهجير القسري ضد الشعب الفلسطيني، وضمان تدفق المساعدات الإغاثية إلى كامل قطاع غزة، مستنكراً «استخدام الولايات المتحدة الأميركية لحق النقض»، لمنع حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. كذلك، دعم البيان «الأوامر والإجراءات المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية»، ولا سيما في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بشأن مخالفتها لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، داعياً إسرائيل إلى «الامتثال لالتزاماتها القانونية». ورحب البيان، أيضاً، باعتراف عدد من الدول بدولة فلسطين أخيراً، داعياً الدول التي لم تعترف بعد بفلسطين إلى اتخاذ هذه الخطوة «بسرعة».
التعاون الصيني – العربي بالأرقام
طبقاً للأرقام التي نشرتها وسائل إعلام صينية قبل انعقاد المنتدى، ارتفع حجم التبادل بين الصين والدول العربية من 36.7 مليار دولار أميركي عام 2004، إلى 398.1 مليار دولار عام 2023، أي بزيادة عشرة أضعاف. ومنذ مدة طويلة، تشكل واردات النفط الخام من الدول العربية، نصف مجموع واردات بكين من العالم، وهي بلغت 260 مليون طن في عام 2023. وبحسب المصادر نفسها، فبعدما وقّعت الصين وثيقة تعاون بشأن بناء «الحزام والطريق» مع الدول العربية الـ22، ومعها «جامعة الدول العربية»، تم تنفيذ «أكثر من 200 مشروع ضخم» في إطار المبادرة، التي «استفاد منها نحو مليارَي نسمة من الجانبين».
وفي كلمته الخميس، حدّد شي «خمس معادلات» للمضي قدماً في التعاون الصيني – العربي، في المدة المقبلة، تشمل زيادة التعاون «المدفوع بالابتكار»، أي الذي يشمل مجالات من مثل الحياة والصحة والذكاء الاصطناعي والتنمية الخضراء والمنخفضة الكربون والزراعة الحديثة والمعلومات الفضائية، وغيرها، إضافة إلى تعميق التعاون في المجال الاستثماري والمالي، عبر وسائل عدة من بينها انضمام المؤسسات المصرفية العربية إلى نظام المدفوعات بين البنوك عبر الحدود (CIPS)، وإصدار الدول العربية لـ«سندات الباندا» في الأسواق الصينية... إلخ. كما تشمل المعادلات الخمس أيضاً التكامل الطاقوي، والتوازن في التعاون التجاري والاقتصادي، وزيادة أفق التواصل الشعبي والثقافي. ويُشار إلى أنّه فيما من المتوقع أن تعقد الدورة الحادية عشرة للمنتدى في تونس العام المقبل، أعلن شي جين بينغ أنّ بكين تنوي استضافة القمة الصينية – العربية الثانية في عام 2026، فيما أفاد أبو الغيط، أثناء المؤتمر الصحافي المشترك الذي تلا الجلسة الافتتاحية، بأنّ الكويت تقدمت بطلب استضافة القمة الثالثة من نوعها عام 2030، علماً أنّه تم عقد القمة الصينية – العربية الأولى في الرياض عام 2022.