«أولاً وقبل كل شيء، ينبغي تحريرهن، وإعادة المختطفين والمختطفات الباقين على قيد الحياة. هذا ما يجب فعله، وهذا هو الرد الرئيسي على الشريط، بمعزل عن وحشية حماس»؛ هذا ما قاله رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقاً، عاموس جلعاد، في مقابلة مع إذاعة «103 أف أم» تعليقاً على الفيديو الذي نشرته عائلات مجنّدات المراقبة الأسيرات لدى «حماس». وبحسبه، فإن الأخيرة «لدينا معها حساب سننهيه عندما نخفيها، حتى لو تطلّب ذلك سنوات. أمّا المختطفون، فهم في ساعة رملية، وكل دقيقة هي كأنما الأبد». ورأى أن ما يجري في الميدان هو «من جهة حرب شُجاعة يقودها الجيش، ومن الجهة الأخرى غياب سياسة، الأمر الذي سيلقي علينا بكارثة». وانتقد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي يتبجّح بـ«النصر المطلق»، معتبراً أنه «في الواقع القائم اليوم، على إسرائيل اختيار السيّئ أو الأسوأ»؛ والسيّئ هو، في نظره، أن تحكم جهة فلسطينية غزة، والأسوأ، هو أن تفرض إسرائيل حكماً عسكرياً. وعندها، قاطعته المذيعة لئيت رون بالقول إنها لا تثق بالجيش بعد شريط مجندات المراقبة، لأن الجنود لم يهبّوا لنجدتهن لدى وقوعهن في الأسر، فردّ بأنه «كان هنالك فشل، ولكن الجيش هو الذي يحمينا اليوم، وهو الذي يدافع عن إسرائيل، لا أحد آخر».وكان منتدى عائلات الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، نشر ليل الأربعاء - الخميس، مقطعاً مصوّراً يظهر عملية أسر عدد من المجندات من قاعدة «ناحل عوز» العسكرية، خلال هجوم «طوفان الأقصى». وأتى ذلك في توقيت حسّاس بالنسبة إلى إسرائيل على الساحة الدولية، خصوصاً بعد طلب المدّعي العام في «المحكمة الجنائية الدولية» في لاهاي، كريم خان، إصدار مذكّرات توقيف ضد نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، وقبل يوم واحد من إصدار «محكمة العدل الدولية» قرارها في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، بتهمة ارتكاب الأخيرة «إبادة جماعية» في القطاع. ولذا، فإن نشر الشريط هدف إلى كسب تعاطف الرأي العام الدولي من جهة، وحشد الرأي العام الداخلي ضد حكومة نتنياهو لدفعها إلى إبرام صفقة تبادل أسرى مع «حماس» من جهة أخرى.
ولاقى الفيديو صدى واسعاً في وسائل الإعلام الغربية، حيث نشرت صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية تقريراً بمقدّمة استعطافية، قائلة: «ثلاث دقائق وعشر ثوانٍ من الرّعب، فتيات في سن الـ19 عاماً بوجوهٍ نازفة، جريحات ومقيّدات ومحاطات بالإرهابيين..»، من دون أن تذكر أن هؤلاء «الفتيات» هن المجنّدات اللواتي كنّ يحرسن جدران «الفيلا» من «حيوانات الغابة»، كما يسمي «فلاسفة» إسرائيل ومنظّرو القتل فيها، الفلسطينيين في غزة. كما احتل الفيديو العناوين الرئيسية في الشبكتين الأميركيتين «NBC» و»CNN»، فيما ظهرت صورة لأحد مقاتلي «القسّام» الذين شاركوا في عملية أسر المجندات، على غلاف «نيويورك بوست» مرفقة بعنوان: «رجل متوحش... فيديو صادم يُظهر كيف يخطط إرهابيو حماس لاغتصاب النساء الإسرائيليات»، علماً أن وكالة «أسوشيتد برس» كانت نشرت تقريراً، أول من أمس، أكّدت فيه أن الروايات التي زعمت ارتكاب «حماس» عنفاً جنسياً في السابع من أكتوبر، تبيّن أنها ملفّقة وليست صحيحة. أمّا صحيفة «ديلي ميل» البريطانية فتباكت على المجندة نعمة ليفي التي كانت «تحلم بأن تصبح دبلوماسية»، بينما تقبع منذ ثمانية أشهر في الأسر، فيما لم تشر إطلاقاً إلى أن آلاف النساء والفتيات قتلهن الجيش الإسرائيلي في حربه المدمّرة على غزة، وحرمهن ليس من أحلامهن فحسب، بل من وجودهن.
وفي أعقاب نشر الشريط المصوّر، تظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين أمام مقر وزارة الأمن في تل أبيب، مطالبين بالدفع بصفقة أسرى، وسط دعوات إلى إسقاط حكومة نتنياهو، الذي اتهمه المحتجون بعرقلة الجهود الرامية إلى التوصل إلى صفقة. وفي وقت لاحق، اتسع نطاق الاحتجاجات لتصل إلى طريق «أيالون» السريع، والذي أغلقه المتظاهرون بإضرام النيران فيه، وهتفوا مطالبين بحل الحكومة والعمل على إطلاق سراح الأسرى حتى لو كان ثمن ذلك وقف الحرب. واندلعت مواجهات مع عناصر الشرطة التي حاولت تفريق المتظاهرين بالقوة، وإبعادهم عن الطريق، في ظل مطالبات من هؤلاء، للوزيرين في «كابينت الحرب»، بيني غانتس وغادي آيزنكوت، بالانسحاب من حكومة نتنياهو، وعدم منحه غطاء لإطالة أمد الحرب لـ«اعتبارات ودوافع سياسية وشخصية».
وكان أُرفق المقطع المصوّر ببيان طالب الجمهور الإسرائيلي بـ«النظر في أعينهن»، مشيراً إلى أنه في ذلك اليوم قُتلت 15 مجنّدة في جيش الاحتلال داخل قاعدة «ناحل عوز»، في حين جرى أسر 7 مراقبات، استعاد الجيش اثنتين منهن، واحدة تُدعى أوري مغيديش، وكانت على قيد الحياة، والثانية تُدعى نوعا مرتسيانو، التي قُتلت في قصف إسرائيلي على المبنى الذي أُسرت فيه. وقال المنتدى، في بيانه، إن «الفيديو الصعب يعكس واقع حياة الأسرى المحتجزين في غزة منذ 229 يوماً. والفيديو إدانة لاذعة للفشل القومي الذي تجلّى في التخلي عن الأسرى. ليست هناك مهمة أعظم، ولا انتصار أهم، ولا فرصة لإعادة الأمل إلى إسرائيل من دون استعادة جميع الأسرى، الأحياء والأموات»، مشدّداً على أنه «يجب على الحكومة الإسرائيلية ألا تضيّع ولو لحظة واحدة أخرى؛ عليها أن تعود إلى طاولة المفاوضات على الفور».
من جهته علّق نتنياهو على الفيديو قائلاً: «سنواصل بذل كل ما في وسعنا لإعادة الرهائن»، مضيفاً أن «الشريط المنشور يعزّز تصميمي على القتال بكل قوتي حتى يتم القضاء على حماس، لضمان أن ما شاهدناه (في الشريط) لن يتكرر مرة أخرى». أما غانتس، فاعتبر أن «مسؤولية القادة هي خلق واقع مختلف واتخاذ القرارات الصعبة. وهذه هي مسؤوليتنا».