عمّان | بعد اعتقال استمرّ على مدى 46 يوماً، أَفرجت دائرة الاستخبارات الأردنية العامة، قبل أيام، عن الباحث المختصّ في الشأن المقدسي زياد ابحيص، والمهندس والناشط النقابي ميسرة ملص، اللذين اعتقلا في الـ30 من آذار الماضي من مسجد «الكالوتي» في محيط السفارة الإسرائيلية في عمّان، وذلك بعد نحو أسبوع من بدء حَراك شعبي أردني قوي، تزامن مع العدوان الأخير على «مجمع الشفاء الطبي» في غزة، وتهديدات «جماعات الهيكل» باقتحام المسجد الأقصى في «عيد المساخر». وكان «الملتقى الأردني لدعم المقاومة وحماية الوطن» و«التجمّع الشبابي لدعم المقاومة» - وهما إطاران شعبيان يضمّان عدداً من الأحزاب والفعاليات - أطلقا حَراك «حصار سفارة الاحتلال في عمّان» للدعوة إلى قطع كل أشكال العلاقات مع كيان الاحتلال، بدءاً من الاتفاقات الموقّعة بين الطرفين، كاتفاق توريد الغاز والمياه، وصولاً إلى اتفاق «وادي عربة». وفي الوقت ذاته، طالب الحَراك، السلطات الأردنية، بوقف السماح لشاحنات التوريد القادمة من البحرين والإمارات (الجسر البرّي) بالمرور عبر الأراضي الأردنية إلى الداخل الفلسطيني المحتلّ، وفتح جسر برّي آخر من المساعدات للفلسطينيين المحاصَرين منذ أشهر في قطاع غزة. وبدأت فعاليات الحَراك يوم الأحد، في 23 آذار الماضي، عقب صلاتَي العشاء والتراويح، حيث فوجئ المتابعون، ومنهم القائمون على الأجهزة الأمنية في الأردن، بطوفان بشري تمكّن من الوصول إلى نقاط قريبة من سفارة الاحتلال في عمّان، ردّت عليه الأجهزة الأمنية باستخدام الهراوات والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، الذين اعتُقل العشرات منهم. ولكن، مع استمرار وتيرة تلك المسيرات وتصاعدها، بدأ التعامل الأمني يأخذ أطواراً أخرى.
فبعد مضيّ يومين على بدء حَراك «حصار السفارة»، تم تشكيل لجنة أمنية ضمّت ممثّلين من كل الأجهزة الأمنية الأردنية، ومعهم مكتب محافظة عمّان الذي يمنحه القانون المحلّي صلاحيات أمنية واسعة، لتنطلق حملة اعتقالات واسعة استهدفت الناشطين في الفعاليات الداعمة لغزة، تحت أحكام «قانون الجرائم الإلكترونية» و«قانون منع الجرائم» اللذين يمنحان الجهات الأمنية، كجهاز الأمن الوقائي ومكتب المحافظ، صلاحيات لتوقيف المعتقلين إداريّاً لعدّة أسابيع. وفي بعض الحالات، كما جرى مع زياد ابحيص وميسرة ملص، تمّ التوقيف من قِبَل محكمة أمن الدولة بتهمة «الإخلال بالنظام العام»، علماً أن هذه الأخيرة تهمة فضفاضة تنسحب أيضاً على أفعال من مثل المشاجرات البسيطة والتظاهرات غير المرخّصة وصولاً إلى ما هو أكثر من ذلك. وقد سبق وأن وجّهت محكمة أمن الدولة تلك التهمة إلى عددٍ من المعتقلين على خلفية تشكيل خلية تابعة لحركة «حماس» ما بين عامَي 2014 و2015 في ما عرف بـ«قضية نقابة المهندسين».
وتزامن حَراك «حصار السفارة» مع حملة اعتقالات من نوع آخر نفّذتها الاستخبارات الأردنية في حقّ عددٍ من المواطنين الأردنيين، من بينهم الصيدلاني أحمد عايش، الذي تعرّض منزله لتفتيش دقيق واقتيد إلى مركز توقيف المخابرات. وإذ ظلّت تهمة أحمد عايش ومَن معه مجهولة، فقد حوّل ومَن معه إلى السجن على ذمة قضية متعلّقة بتهريب الأسلحة والتجهيزات العسكرية لمصلحة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي التهمة نفسها التي لا يزال كلّ حذيفة وعبد الرحمن جبر، وخالد المجدلاوي، والعشرات من المعتقلين موقوفين على ذمتها، علماً أنه في بعض الحالات حُكم على مهرّبي السلاح إلى فلسطين المحتلّة بالسجن لمدّة 7 سنوات. وما سمح بالمزيد من الأحكام العالية ضدّ داعمي المقاومة في الأردن، تعديلات «قانون منع الإرهاب» التي أُقرّت في عام 2014، والتي لم تستثنِ أنشطة الانخراط في مقاومة الاحتلال الصهيوني في نصوصها، ليبدأ بعد هذا التاريخ مسار جديد من تحويل المئات من الأردنيين إلى محكمة أمن الدولة بـ«تهم» تتعلّق بالانخراط في مختلف أنشطة مقاومة الاحتلال.