الولايات المتحدة لن تمانع اتفاقاً أمنياً يُلزمها حماية نظام ابن سلمان ضد أعدائه الداخليين
لكن الإعلان السعودي - الأميركي الجديد، والذي جاء على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي واجتماعات متعدّدة حول غزة في الرياض، كان موجّهاً في الأساس إلى إسرائيل، التي يتوقّف الأمر على حكومتها ورئيسها، بنيامين نتنياهو. فكل تلك «المغريات» قد لا تعني شيئاً للأخير، الذي سبق له أن أسقط عروضاً مثلها قبل «7 أكتوبر» وبعده، وكاد أن يفلت باتفاق تطبيع مع الرياض «مجاناً» لولا أن داهمهما «طوفان الأقصى». وغالبية الظن أن نتنياهو ما زال عند موقفه هذا، ما دام وضعه الداخلي متماسكاً. إذ إن حكومته لا تستطيع حتى أميركا إسقاطها، وضغط الشارع لإعادة الأسرى ما زال مقتصراً على ذويهم وبعض المؤيدين لهم، أو بالأصح المعارضين له. وحتى المعارضة خارج الحكومة، وتلك التي انضمت إلى مجلس الحرب، والتي تقول إنها تريد إعطاء ملف الأسرى الأولوية على ما عداه، لم تفعل ما يسند قولها هذا، عبر دعوة جماهيرها إلى الانضمام لحراك ذوي الأسرى، وبالتالي فإن كلامها يأتي ضمن البازار السياسي الذي تريد عبره كسب شعبية على جانبي الطيف الإسرائيلي.
ثمة فرصة وحيدة للتوصل إلى الاتفاقين الأمني والتطبيعي، هي نضوج ظروف للتوصل إلى وقف لإطلاق النار مع حركة «حماس»، بمعزل عن السعودية، فلا يعود يضير إسرائيل أن توظّفه في اتفاق تطبيع مع المملكة، لأنه سيكون في هذه الحالة «مجانياً» أيضاً من حيث الثمن الإسرائيلي المقابل. غير ذلك، لا يبدو قادة إسرائيل مستعدين لاتفاق مع السعودية يُروَّج له باعتباره «جائزة كبرى» لهم، مقابل مجرّد وقف لإطلاق النار. يتصرّف هؤلاء على أن المملكة مثل الزوجة التي تسعى إلى تحسين ظروف حياتها في بيت الزوجية، ولكن ليس لها بديل من زوجها حتى إذا لم يعطِها ما تطلب، بمعنى أن السعودية يمكن أن تقبل في النهاية بالتطبيع مقابل الضمانات الأميركية فقط، ومن دون أي تنازل من العدو. وما اعتدنا عليه في كل ما يتعلّق بالشرق الأوسط، هو أن ما يفعله الأميركيون، مجرّد مناورات لتحقيق كامل الشروط الإسرائيلية، وإنما عبر طرق التفافية لا يعرفها الإسرائيليون، ولا سيما أن الانتخابات الرئاسية والنصفية للكونغرس ستجري في الخامس من تشرين الثاني المقبل، حيث لا يستطيع الساسة الأميركيون إغضاب إسرائيل.
مضمون اتفاق الترتيبات الأمنية نفسه، والذي يجري بحثه بين واشنطن والرياض، ما زال غير واضح تماماً، وإن كان قد سُرّب أن الثانية تريد معاهدة دفاعية مع الأولى، من النوع القائم مع كوريا الجنوبية واليابان، ما دام أنه غير ممكن إقامة اتفاق يرتقي إلى إلزام أميركا بأمن السعودية، كذلك الذي يُلزمها بأمن دول حلف «الناتو»، وفقاً للمادة الخامسة من نظام الحلف، بالإضافة إلى بيعها أسلحة متطوّرة، ومساعدتها في إقامة برنامج نووي سلمي. وبغض النظر عما سيتضمّنه الاتفاق في النهاية، فإن تلك التفاصيل ليست من النوع غير القابل للحل، فما يهم ابن سلمان هو أن حماية إسرائيل تحتّم بقاء القوات الأميركية في الشرق الأوسط. وما دام الأمر كما تقدّم، فإن رهانه هو أن الولايات المتحدة لن تمانع اتفاقاً أمنياً يُلزمها حماية نظامه ضد أعدائه الداخليين، بل ويكفيه هنا أن يؤدي الاتفاق إلى تبنّي واشنطن الكامل لنظامه في مواجهة هؤلاء الأعداء. أما بالنسبة إلى الأعداء الخارجيين، وهم عبارة عن صورة كان النظام قد صنعها بنفسه لشد العصب الداخلي، فلن تتورّط أميركا في حروب من أجل النظام السعودي. وبالتالي، ما يفيده، في هذا المجال، الاتفاق الذي توصل إليه مع إيران برعاية الصين، التي ستواصل، من جهتها، محاولة تعزيز حضورها في المنطقة، من هذه البوابة وغيرها.