التراجع الوظيفي للكيان سوف تكون له تداعياته على «بورصة» التطبيع العربي
تعدّدت الروايات النشطة في سياقات «جسر الهوة»، لكن الأبرز منها كانت الرواية الأردنية التي جاءت على لسان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الذي قال إن «السيادة تُلزم المملكة بالعمل ضد أهداف معادية في مجالها الجوي»، قبل أن يضيف أن «الأمر لم يكن دفاعاً عن إسرائيل، وإنما عن المملكة نفسها». الرواية الأردنية لن تصمد بالتأكيد لو كانت الصواريخ والمُسيّرات أُطلقت من الأراضي المحتلة في اتجاه إيران. ومثل هذا الاختبار، لو حصل، ستكون له تداعيات كبرى على شارع رفع في تظاهراته، التي أعقبت «طوفان الأقصى»، شعارات عدة كان أبرزها «كل الأردن حماس»، ثم راح يطلق على أيامه أسماء «أيام الغضب الأردني» لأجل غزة. ثالثة الحقائق أن الكيان الإسرائيلي فقد الكثير من وظيفيته الاستراتيجية التي أُنشئ أصلاً لأجلها. والشاهد هنا هو أنه بات عاجزاً عن الدفاع عن نفسه بمفرده، في الوقت الذي أخذت فيه «حلقات النار» تتكامل حول جنباته. ومثل هذه الحال سوف تُراكِم وضعية للكيان تجعل منه عبئاً على حلفائه بمقاييس «المكاسب» التي يمكن أن تتأتّى من استمرار دعمه. صحيح أن الأمر قد يطول، لكنّ الانزياح الذي شهده الشارع الغربي أخيراً، يشير إلى أن «العد العكسي» بدأ. والمؤكد هنا أن التراجع الوظيفي للكيان سوف تكون له تداعياته على «بورصة» التطبيع العربي الذي تعالت أسهمه قبيل «الطوفان»، علماً أن فعل الهرولة ذاك كان نتاجاً لرؤية تقول بضرورة الاستقواء بـ «فائض القوة» الإسرائيلي في مواجهة «الشدائد» التي تعترض الأنظمة راهناً، وتلك التي هي على موعد أكيد معها، كنتاج لاتساع الهوة بين مواقفها وأماني شارعها.
في إدارة أي صراع، هناك العديد من العوامل التي تلعب دوراً مهماً إلى جانب الفعل العسكري، وفي مقدّمتها المناخ العام المحيط بذلك الصراع والذي قد يكون تأثيره حاسماً فيه، ليحدّد النتائج التي يمكن أن تقود إليها أي محطة على طريق إدارة الصراع. وفي ذلك يمكن الجزم بأن «محطة 14 نيسان» كانت خطوة على طريق تهشيم «الوظيفية» تمهيداً لتلاشيها. هذا يشبه بدرجة ما علاجاً قديماً للبثور والدمامل التي تظهر على سطح الجلد، حيث يقوم الفعل على شد محكم لشعرة من ذيل الحصان (السنطة) حول هذه الأخيرة بدرجة تقطع الدم عنها تماماً، لتضعها، مع مرور الوقت، أمام حالة السقوط التلقائي، طالما أن شروط الاستئصال بالجراحة لم تتوفّر بعد.