وضعت الضربة الإيرانية للكيان الإسرائيلي، دول الخليج، وبالتحديد كلّاً من السعودية والإمارات، إضافة إلى الأردن، في وضع شديد التعقيد، لا يكفي فيه نفي هذه العواصم انخراطها مع التحالف الأميركي - الغربي - الإسرائيلي ضدّ طهران. إذ ثمة تقارير من أكثر من اتجاه، تؤكد المشاركة الاستخباراتية في التصدي للهجمات الإيرانية على مواقع في الكيان، أو على الأقل استفادة التحالف الغربي من تشبيك أجهزة الإنذار المبكر الأميركية المتموضعة في القواعد الأميركية في تلك الدول، في إطار المنظومة الكاملة التابعة للقيادة المركزية الأميركية، والهادفة إلى حماية إسرائيل. والجدير ذكره، هنا، أن واشنطن كانت عزّزت منظومات الدرع الصاروخي من نوعَي «باتريوت» و«ثاد» في كل من السعودية والأردن وإسرائيل وكردستان العراق وقاعدة «أنجرليك» الأميركية في تركيا، على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.واحتفلت وسائل إعلام إسرائيلية بمشاركة دول عربية، إسرائيل والتحالف الغربي، في التصدي للصواريخ والمسيّرات الإيرانية، فيما ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن السعودية والإمارات وافقتا على تبادل المعلومات الاستخباراتية المتعلّقة بالهجوم الإيراني قبل حدوثه. ورغم اتفاق الرياض مع طهران، برعاية صينية، على تطبيع العلاقات، فإن الأولى وافقت على استخدام قواعدها الجوية من قبل الطائرات الأميركية للتزوّد بالوقود، علماً أن هذا الاتفاق يشمل أيضاً الطائرات التي تشنّ ضرباتها على اليمن، فضلاً عن تموضع عدد من بطاريات الدرع الصاروخي الأميركي على الأراضي السعودية منذ بداية الحرب على غزة. ويُعدّ ذلك الدرع في وضع نشط بشكل دائم، وقد أحبط عدداً من الصواريخ اليمنية المتّجهة إلى أهداف إسرائيلية، بينما تُركت الأجواء السعودية أكثر من مرة من دون حماية أميركية أثناء تعرّضها للاستهداف من اليمن سابقاً.
وبالانتقال إلى مشاركة الأردن في اعتراض الصواريخ والمسيّرات الإيرانية بذريعة الحفاظ على سيادة البلاد، فإن المعلومات المتوافرة من أكثر من جهة، تفيد بأن أسلحة الجو، الإسرائيلي والأميركي والفرنسي، هي التي تولّت عمليات الاعتراض في الأجواء الأردنية، فيما لم يُسمح للطائرات الأردنية بالمشاركة في الأصل. أما البيانات الرسمية الأردنية حول الحياد بين الطرفين، فهي موجّهة فقط إلى الداخل الأردني؛ إذ إن صنّاع القرار في المنطقة مطّلعون على الدور الأردني المنخرط بالكامل مع الأنشطة الأميركية التي تصبّ في خدمة إسرائيل، علماً أن الطائرات الإسرائيلية تستخدم بشكل دائم الأجواء الأردنية أثناء قصفها مواقع تابعة لمحور المقاومة في شرق سوريا وغرب العراق.
السعودية والإمارات وافقتا على تبادل المعلومات الاستخباراتية المتعلّقة بالهجوم الإيراني قبل حدوثه


إزاء ذلك، رأت «وول ستريت جورنال» أن هذا «العرض الدفاعي الجماعي» كان تتويجاً لمساعٍ أميركية دامت عقوداً، استهدفت إقامة علاقات عسكرية أوثق بين إسرائيل ودول عربية «لمواجهة التهديد الإيراني». وعلى أيّ حال، فإن ما حدث يؤكد أن دولاً عربية تُعدّ شريكاً رئيساً في التحالف ضد إيران، وأن الاتفاقات الأمنية بينها وبين الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، تجيز استخدام أراضيها ضد «التهديدات الإيرانية»، بغض النظر عن الجهة المستهدَفة منها. وفي هذا السياق، نقلت صحف أميركية عن مسؤولين عرب قولهم إنه في حال انخراط واشنطن بشكل أعمق في الأسابيع المقبلة في مواجهة مباشرة مع طهران، فإن «من المرجّح أن تجد الحكومات العربية مجال مناوراتها يتقلّص».
وفي المقابل، تخشى الدول العربية الدائرة في الفلك الأميركي من أن يؤدي التبني الإيراني المطلق للقضية الفلسطينية، إلى انكشاف دورها ووضعها «يوماً ما» في مواجهة شعوبها التي تميل إلى تبنّي خيار المقاومة. وعليه، نشطت الماكينات الإعلامية السعودية والإماراتية والأردنية في محاولة فصل القضية الفلسطينية عن الهجوم الإيراني على إسرائيل، والادعاء أن الصراع قائم بين مشروعين متنافسين لطرفين أجنبيين هما إيران وإسرائيل، «اللتين لا تريدان الخير للبلدان العربية وفلسطين بالتحديد». وهو ما يتساوق مع محاولات شيطنة كل من «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، المتهمتَين بالتعاون الضمني مع اليمين الإسرائيلي لإفشال حل الدولتين، وأن «خيارهما جلَب لغزة الرعب والدمار، وترك المدنيين مكشوفين من دون حماية».
وفي هذا السياق، شكّك الكاتب السعودي، علي الشهابي، في مقال له، في نوايا إيران تجاه القضية الفلسطينية، متهماً إياها بالسعي إلى تحرير «مجلس التعاون الخليجي» من الوجود الأميركي، وفرض هيمنتها على الخليج وثرواته النفطية، قائلاً: «إلى أن تُظهِر تصرّفات إيران خلاف ذلك - مثل إنهاء دعمها الكامل للحوثيين في اليمن - فإن كل ادعاءاتها بالصداقة والتعاون تجاه الخليج سوف تؤخذ على حقيقتها الساخرة». ويربط الكاتب بين تغيّر موقف دول الخليج من إيران، وبين اعتمادها سلوكاً ينهي العلاقة مع قوى المقاومة، وإلا، بحسبه، ينبغي على إيران أن «تتوقّع أن تقترب دول مجلس التعاون الخليجي من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، مع كل ما يستلزم ذلك. وسوف يفعلون ذلك لحماية أنفسهم».