بينما يبدو مشهد استهداف مقر دبلوماسي مفاجئاً قياساً إلى الأعراف والمواثيق الدولية، يتسق الاستهداف الذي طاول مبنى القنصلية الإيرانية، الملاصق لمبنى السفارة، في العاصمة السورية دمشق، عصر أول من أمس، مع السلوك الإسرائيلي الذي يزداد وحشية، بعد فشل عسكري مستمر منذ ستة أشهر في قطاع غزة، بالرغم من المجازر اليومية التي ترتكبها قوات الاحتلال هناك، والدمار الكبير الذي ألحقته بالقطاع المحاصر، وسط عجز عربي، وتأييد أميركي - أوروبي غير محدود. ويكشف حجم الاعتداء وتوقيت تنفيذه تعمّد إسرائيل إلحاق أكبر أذى ممكن، فضلاً عن محاولة استثماره إعلامياً، إذ جاء الاستهداف في وضح النهار، عن طريق ست قذائف موجّهة تم إطلاقها من طائرة «F35» كانت تحلق في أجواء الجولان السوري المحتل، ليتسبب بتدمير المبنى بشكل كامل ومقتل كل من كان فيه، وبينهم سبع شخصيات من «قوة القدس»، وعلى رأسها المستشاران، محمد رضا زاهدي، ومحمد هادي حاجي رحيمي، بالإضافة إلى حسين أمير الله، وسيد مهدي جلالتي، ومحسن صداقت، وعلي آغا بابائي، وسيد علي صالحي روزبهاني. الاعتداء الإسرائيلي الذي وصفته أوساط سياسية بأنه الأخطر حتى الآن، جاء بعد يوم واحد من اعتداء على محيط دمشق، وثلاثة أيام على اعتداء واسع على مناطق في محيط حلب، تزامن مع هجوم شنّه مسلحون يتبعون لـ«هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا) عبر طائرات مُسيّرة، وتسبب باستشهاد عدد من المدنيين والعسكريين، وفقاً لوزارة الدفاع السورية. وعقب الهجوم، أظهرت لقطات مصوّرة زيارة قام بها وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، لمقر السفارة الإيرانية في دمشق، وإجراءه اتصالاً من داخلها بنظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، فضلاً عن زيارة رئيس مجلس الوزراء السوري، حسين عرنوس، لمقر السفارة.
من جهتها، دانت وزارة الخارجية الإيرانية بأشدّ العبارات العدوان الإسرائيلي. وقالت، في بيان، إنّ «المبنى الذي استهدفه الكيان الصهيوني هو مبنى دبلوماسي معروف، والذين استشهدوا من جراء الاعتداء هم مستشارون عسكريون مختصون بمكافحة الإرهاب، يحملون حصانة دبلوماسية»، موضحةً أنّ الاعتداء تزامن مع حضور هؤلاء «برنامج إفطار رمضاني». وإذ حذّرت من «مخاطر مقامرات الكيان الصهيوني الخطيرة على توسيع الحرب في المنطقة وخارج جغرافية فلسطين المحتلة»، أكدت أن «إيران بقوتها وكامل حكمتها وسياستها ستجعل الكيان الصهيوني نادماً على جريمته الإرهابية»، مضيفة أن «الكيان لن ينجو من هزيمته الحتمية عبر ارتكابه مثل هذه الجرائم الوحشية». وأشارت إلى أن «العدوان الإسرائيلي على مبنى دبلوماسي هو انتهاك صارخ للأعراف الدبلوماسية والمقررات الدولية وميثاق الأمم المتحدة»، مؤكدة أن «إيران تحتفظ بحقها القانوني وفق المقررات الدولية للرد الحاسم على مثل هذه الجرائم الإرهابية».
دعت طهران وموسكو إلى عقد اجتماع عاجل في «مجلس الأمن» لمناقشة الاعتداء


أيضاً، أعلن «المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني عقد اجتماع عاجل، بحضور رئيس المجلس رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، واتخاذه ما يلزم من قرارات بعد جريمة حرب أخرى لإسرائيل»، في وقت أكد فيه قائد الثورة الإسلامية، السيد علي خامنئي، أنّ كيان الاحتلال الإسرائيلي «سيتلّقى عقابه على أيدي رجالنا»، مشدداً على أن إسرائيل «ستندم على جريمة اغتيال قائد قوة القدس في لبنان وسوريا في حرس الثورة، الشهيد محمد رضا زاهدي، وغيرها من الجرائم التي ارتكبتها». كما أعلنت الخارجية الإيرانية استدعاء القائم بأعمال السفارة السويسرية في طهران باعتبارها راعية للمصالح الأميركية في إيران، بينما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إرنا» عن وزير الخارجية قوله إنه «تم إرسال رسالة مهمة إلى الإدارة الأميركية بصفتها حامية للكيان الصهيوني»، مشدداً على أنه ينبغي على واشنطن «تحمل المسؤولية».
في المقابل، حاولت الولايات المتحدة التنصل من هذا الهجوم عبر إعلانها «عدم الحصول على موافقها قبل تنفيذه» في رسالة وجهتها إلى إيران، بحسب موقع «أكسيوس» الأميركي، الذي نقل عن مسؤولون إسرائيليين وأميركيين، أنّ «إسرائيل أخطرت الإدارة الأميركية بالهجوم قبل دقائق قليلة من قيام قواتها الجوية بتنفيذ الضربة»، وأنّها «لم تطلب الضوء الأخضر الأميركي من أجل شنّها». كما نقل الموقع عن مسؤول أميركي تأكيده أن التحذيرات الإسرائيلية «لم تكن مفصّلةً»، وأنّها وصلت «عندما كانت الطائرات الحربية في الجو أصلاً». وأوضح أنّ الإسرائيليين «لم يخبروا الولايات المتحدة أنّهم يخطّطون لقصف مبنى في مجمع السفارة الإيرانية». واعتبر الموقع الأميركي أن هذه «الرسالة النادرة» التي بعثتها واشنطن إلى طهران تظهر أنّ «إدارة بايدن تشعر بقلق عميق من أنّ الضربة الإسرائيلية قد تؤدي إلى تصعيد إقليمي».
على خطّ مواز، أعلنت دول عديدة رفضها وإدانتها لهذا الهجوم، لما يحمله من تجاوز لكل الأعراف الدبلوماسية، أبرزها روسيا والسعودية والإمارات وقطر ومصر والصين والأردن والعراق وكوبا وفنزويلا، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية وحركة «حماس» و«حزب الله» و«جيش التحرير الفلسطيني» ومنظمات أخرى عديدة. كذلك، دعت طهران وموسكو إلى عقد اجتماع عاجل في «مجلس الأمن» لمناقشة الاعتداء.