هكذا، ما زالت الذخائر والوسائل القتالية والدعم العسكري والتسليحي بلا حدود، بما يشمل «القطار اللوجستي» الذي يمكّن الجيش الإسرائيلي من مواصلة حربه. كما أنّ أقوال أميركا لا تساوق أفعالها، وهي تريد ما يريده نتنياهو، وإن بأسلوب يتباين مع الأسلوب المتّبع حالياً، ولكنها لا تريد وليس من مصلحتها، ممارسة ضغوط تحدّ من قدرة إسرائيل على مواصلة القتال. في الموازاة، يسعى الوسيطان العربيان، مصر وقطر، إلى فرض الشروط الإسرائيلية على «حماس»، كلٌّ وفقاً لقدرته على الضغط على الحركة. ورغم كل ما يُراد تظهيره من «إيجابية» لدى هذين الطرفين، وحرص «حماس» على مراعاتهما، إلّا أنّ دورهما واضح: مقاولة لدى الاحتلال ورعاته، بوسائل ضغط خاصة بكل منهما، يجري استخدامها بتطرّف، وإن غير ظاهر.
تعكف أميركا على مخارج منها إيجاد بدائل لصانع القرار الإسرائيلي عبر «اللعبة السياسية» الداخلية
في الصورة الأعم، فإن المفاوضات لا تُخاض على الصفقة الجزئية لتمرير شهر رمضان فحسب، بل إنها تمثّل قاعدة للاتفاق الأكبر الذي من شأنه أن ينهي الحرب لاحقاً. ولهذه الأسباب، يأتي التجاذب والتصلّب حول شروطها من الطرفين، ومن المتدخلين في الحرب، ممن يسمّون وسطاء. إذ تريد إسرائيل إطلاق أسراها مقابل أسرى فلسطينيين، مع رفع عدد الأولين وتخفيض عدد الأخيرين، والامتناع عن إطلاق أصحاب أحكام مرتفعة ووزن، أو ترحيلهم - في حال الإفراج عن بعضهم - إلى خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة. كذلك، تعرب إسرائيل عن قبولها بإدخال مساعدات محدودة ومشروطة، على أن يجري تتبّعها، ويقتصر توزيع معظمها على جنوب القطاع، مع رفض العودة من دون شروط إلى شمال غزة، أو ما يرتبط بالإيواء هناك. وبالطبع، لا تقبل إسرائيل بالانسحاب من القطاع، بل ترضى بإعادة تموضع، هي في الأساس هدف المرحلة الحالية في حربها. وبالنتيجة، تريد إسرائيل الاحتفاظ بما أمكن من أوراق ضغط كاملة من دون نقصان، لمرحلة المفاوضات اللاحقة التي سيتحدّد بموجبها الترتيب السياسي والأمني لغزة.
في المقابل، لدى «حماس» شروط ومطالب نقيضة، وهي كذلك تعمل على جعل الاتفاق الحالي، مقدّمة يُبنى عليها الاتفاق اللاحق، ما يدفعها هي الأخرى إلى التمسّك بأوراق القوة لديها، وتحديداً ورقة الأسرى، الذين تحرص على إبقاء هوياتهم لديها ومصائرهم (ما إذا كانوا أحياء أو قتلى أو مفقودين)، بلا إيضاحات للعدو. أيضاً، تعمل الحركة على دفع الجيش الإسرائيلي إلى تموضعات ميدانية تمهّد لمطلبها اللاحق والرئيسي، وهو الانسحاب الكامل، ولو ممّا أمكن من قطاع غزة، بينما يأتي تصلّبها في وجه الوسطاء، وتحديداً العرب منهم، لتحصيل ما أمكن من مكاسب في ما يتصل بإعادة الإعمار وعودة النازحين وإعادة بناء البنية التحتية، في اليوم الذي تتبلور فيه «صفقة تبادل أسرى»، تشمل الترتيب السياسي والأمني للقطاع.
على هذه الخلفيات، وأخرى، يمكن فهم صعوبات بلورة اتفاق جزئي لتبادل الأسرى. بالطبع، للعامل الشخصي والأيديولوجي تأثير من ناحية إسرائيل، وتحديداً من ناحية نتنياهو، ولكن تحميله وحده مسؤولية تأخير الاتفاق، يُعدّ أمراً مبالغاً فيه. مع ذلك كلّه، يبدو أنّ الأطراف جميعها، المتحاربة والمتدخّلة، معنية بأن يمرّ شهر رمضان بلا قتال، كلٌّ وفقاً لمصلحته الخاصة. والسجال الحالي، بما يشمل بثّ أخبار متفائلة وأخرى متشائمة وتهديدات ووعد ووعيد، هو جزء من العملية التفاوضية، ومن محاولة الأطراف تحصيل ما أمكن. وعليه، يأتي ترجيح البعض التوصل إلى هدنة، هي حتى الساعة غير محدّدة المعالم، قبل بدء شهر الصيام.