تابعنا كما تابع سكان العالم، بين مؤيد ومعارض، جلسات «محكمة العدل الدولية» في لاهاي بشأن الدعوى التي قدّمتها جنوب أفريقيا ضد الكيان الصهيوني، بتهمة ارتكاب الأخير جرائم إبادة جماعية في غزة والمدن الفلسطينية. فقد سجّلت جنوب أفريقيا وفريقها القانوني برئاسة وزيرة الخارجية، ناليدي باندور، موقفاً سياسياً وإنسانياً إلى جانب القضية الفلسطينية، وفي المقدّمة إلى جانب غزة الإباء والكبرياء، التي سجّلت أروع البطولات في التاريخ العربي والأممي، وتصدّت للحرب براً وبحراً وجواً، وردّت الاعتبار إلى هذه الأمة العربية والإسلامية، دفاعاً عن كرامتها وشرفها ومقدّساتها ضد العدوان الإسرائيلي، الذي يضرب في كل مكان في فلسطين وخارجها ضد الشعب الفلسطيني وقياداته في الماضي والحاضر، وفي مقدّمتهم المناضل الكبير، ياسر عرفات، والشيخ أحمد ياسين، وأبو علي مصطفى، في الداخل. كما طالت اغتيالاته المناضلين أبو جهاد وأبو إياد في تونس، وفي لبنان المناضلين كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار وغسان كنفاني وماجد أبو شرار وصالح العاروري وغيرهم، من دون خوف من العقاب على هذه الجرائم.نحن اليوم في زمن اختفى فيه الكبار والكبرياء والحياء، بينما استيقظت الشعوب المُحبّة للسلام على صوت الأبطال في غزة والمدن الفلسطينية، والذين ضحّوا بأكثر من 100 ألف بين شهيد وجريح، في أرض لا تزيد مساحتها عن 360 كيلومتراً مربعاً، وتحتضن شعباً لا يزيد عدده عن مليوني نسمة. شعب يتم قتله ومحاولة تهجيره خارج وطنه. هذه الحرب هي دفاع عن الأرض والعرض والمقدّسات وسط صمت رسمي عربي إسلامي ودولي.
أتذكّر لقاءً جمعني بالزعيم الخالد، جمال عبد الناصر، في ليبيا في يونيو 1970، تحدّث فيه عن القضية الفلسطينية والحربين اللتين خاضتهما مصر في 1956 و1967، وحرب الاستنزاف دفاعاً عن مصر وفلسطين والأمة العربية. وقال لي إن الأميركيين عرضوا عليه الانسحاب من سيناء وعودة حقول النفط في أبو رديس، مقابل الاعتراف بإسرائيل والتخلّي عن القضية الفلسطينية، ولكنه رفض ذلك. فهو القائد الذي خاض معركة الفالوجا عام 1948، وقال حينها إن «معركتنا لتحرير فلسطين تبدأ من القاهرة».
بعد أن خذل القادة العرب القضية الفلسطينية آنذاك، قاد عبد الناصر عملية التغيير في مصر أثناء ثورة 23 يونيو التي وقفت إلى جانب الشعوب العربية في الجزائر واليمن والخليج والعراق، ووقفت إلى جانب حرية الشعوب الأفريقية وغيرها من الشعوب في آسيا وأميركا اللاتينية. ولكن كان همّه وقلبه مع فلسطين التي دفع من أجلها حياته في 28 سبتمبر 1970.
ما أحوج شعوبنا إلى قادة كبار كعبد الناصر ومانديلا الذي قال إن «حريتنا ناقصة ولا تكتمل من دون تحرير فلسطين»، والملك فيصل الذي كان يردّد دائماً أنه «سيصلي في القدس»، واستُشهد من أجل فلسطين، والشيخ زايد الذي قال إن «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي»، والرئيس هواري بومدين الذي قال «إننا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة».
النصر لغزة وللشعب الفلسطيني حتى قيام دولته وعاصمتها القدس.

* الرئيس الأسبق لليمن الجنوبي