«هل تدين خماس؟». سؤال كرره المذيع البريطاني بيرس مورغان على ضيوفه، وخصوصاً الداعمين للقضية الفلسطينية. هذا السؤال طرحه مورغان 15 مرة على زعيم حزب العمّال البريطاني السابق جيريمي كوربين، في المقابلة التي أجراها معه في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. رغم طلب كوربين إجراء نقاش عقلاني، أصرّ مورغان على السؤال، كأنّه بات صَلاَته منذ «طوفان الأقصى». بعد انتهاء الحلقة، غرّد مورغان: «لقد سألت جيريمي كوربين مراراً وتكراراً عما إذا كان يعتقد أنّ «حماس» إرهابية، وما إذا كان ينبغي لها البقاء في السلطة في غزة، لكنه رفض الإجابة عن أيّ من السؤالين. إنه أمر صاعق».

في حلقته في 28 كانون الأول (ديسمبر)، قال مورغان: «ستكون الأيام المقبلة مزلزلةً بالنسبة إلى الانتخابات الرئاسية هنا. ستغيّر العالم، والقرارات التي تتخذ الآن في الشرق الأوسط يمكن أن تغيّر العالم بشكل كبير أيضاً. وسيشرف عليها الرئيس القادم بالطبع». وأضاف: «ذكرت التقارير في الولايات المتحدة أنّ الرئيس بايدن لم يتحدث مع نتنياهو منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، ببساطة لأنّه لم يستمع إلى دعواته للحذر. حسناً ينبغي له ذلك وسريعاً. لدى أميركا الحق في الدفاع عن إسرائيل، كما لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، لكن لا يمكن تسليمه شيكاً على بياض موقّعاً بالدم الفلسطيني. ألقت إسرائيل نحو 30 ألف قنبلة وقذيفة على غزة في 100 يوم، ما يعادل ثماني مرات ما استهدفت به الولايات المتحدة العراق في ستّ سنوات من الحرب. صحيح أنّ كل حرب في تاريخ البشرية أودت بحياة كثيرين، ومنهم الكثير من أرواح الأبرياء، لكن 24 ألف شخص في ثلاثة أشهر والله أعلم كم تحت الأنقاض، هل ما زال هذا رداً مناسباً؟».
يكمل مورغان مقدمته محاولاً توجيه نقدٍ، بصفة الناصح لإسرائيل، مردداً الخطاب الأميركي المستاء من تجاهل الإسرائيليين للمواقف الأميركية. يقول: «في أحد أيام هذه الحرب، كنت أطرح هذا السؤال على العديد من الضيوف، ويبدو على نحو متزايد بأنّ الإجابة تغدو لا. صحيح أنّ قوات الحلفاء قتلت أعداداً كبيرة من الأبرياء في دريسدن وهيروشيما وما بعدها لهزيمة النازيين في الحرب العالمية الثانية، لكن ذلك كان قبل 79 عاماً. لقد أنشأنا قانوناً دولياً للتأكد من أنّ الفظائع التي ارتكبها في كلا الجانبين، لن تتكرر مجدداً. صحيح أنّ هذه كانت 11 سبتمبر في إسرائيل، ولم تكن هناك رغبة عامة في ضبط النفس حينها، لكنّ ذلك التوق إلى العدالة أدخل الولايات المتحدة في حربين كارثيتين مميتتين. ألا ينبغي لإسرائيل أن تتعلّم من تلك الأخطاء؟».
اقتصر موقف مورغان على انتقاد حكومة نتنياهو، فهو متماه مع حكومات الغرب التي لم يعد بإمكانها التغاضي عن الإبادة، ولا تبريرها بحجة «حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها». مَن يبرّر الجريمة، يتخذ من منبره موقعاً لمهاجمة كلّ ما يجهله، ويرفض التعرّف إليه، ما أدى إلى رفض عدد من المسلمين الحضور كضيوف في برنامجه Piers Morgan Uncensored، حتى خرج مورغان في تغريدة على منصّة X قائلاً: «للتوضيح، أي شخص يتفاخر هنا برفض دعوات الظهور (في البرنامج)، كي يتمكن من الحصول على بعض النقرات الرخيصة، سيُحظر من البرنامج من الآن فصاعداً من دون أي عملية استئناف».
يأتي رفض المسلمين الظهور في البرنامج على خلفية تعليقات مورغان الاستشراقية بحق النساء العرب والمسلمات. أثناء استضافته طبيب «هيئة الخدمات الصحية الوطنية» ورئيس الجناح البريطاني لـ «حزب التحرير» وحيد آصف شيدا، قال إنّ النساء المسلمات «يردن أن يتعرّضن للاضطهاد». حتى في العودة إلى ضحايا الحرب العالمية الثانية، يكرّر ما يحدث دائماً في كل الحروب: يمرّ بسلام بجانب الجثث، ليبقوا أرقاماً تتكدس في الذاكرة البشرية. لم يهتز مورغان لتاريخ الاحتلال الإسرائيلي ومجازره منذ عام 1948، بل اهتز لعدد الشهداء الكبير في الحرب الحالية، فلو بقي الرقم على 15 ألفاً مثلاً، ما كان مورغان لينتبه إلى أنهم قُتلوا. يُعتبر موت المدنيين في الحروب أضراراً جانبية. موت لا يترتب عليه أي مسؤولية ولا يُدان بأي كلمة. لا مسؤولية مرتبطة بعمليات القتل هذه، وفي أفضل السيناريوهات تدفع تعويضات مالية، من باب حسن النية. «شرعية» الأضرار الجانبية تجعل أي مسألة تتعلق بالمسؤولية عديمة الجدوى.
أول تعاطف أظهره مورغان مع الفلسطينيين كان في تغريدة في 28 تشرين الأول (أكتوبر)، مندداً فيها بالقصف الإسرائيلي الذي أدى إلى انقطاع كامل للاتصالات في القطاع المحاصر، وكتب في تغريدة أخرى «أين سيعيش هؤلاء الفلسطينيون عندما تنتهي الحرب؟ لقد دُمّر العديد من منازلهم. هل لدى إسرائيل إجابة؟ هل تهتم؟».
في مقدمة حلقته في 20 من كانون الأول (ديسمبر)، بعد 75 يوماً من الإبادة المستمرة، قال مورغان إنّه في تاريخ الصراع الدموي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يلعب أصدقاء إسرائيل دور الذي يقول لها متى تتوقف. وربما بات هذا الوقت وشيكاً مجدداً. أتى موقف مورغان بعدما قتلت إسرائيل ثلاثة من الأسرى في 15 كانون الأول (ديسمبر) في غزة، كانوا قد استخدموا بقايا الطعام لكتابة نداءات استغاثة. ويضيف: «ماذا تخبرنا هذه المأساة عن كيفية تعامل الجنود الإسرائيليين مع المدنيين الفلسطينيين؟ وإلى أي مدى يمكن التعامل بجدية مع إصرار إسرائيل على أنها تحاول الحفاظ على حياة الأبرياء؟. في تقارير أخرى، تبيّن أنّ امرأتين قتلتا برصاص قناص إسرائيلي أمام «كنيسة العائلة المقدسة» في غزة حيث لجأتا إليها بعدما دُمّر بيتهما. وقتلت إحداهما وهي تتجه من ملجئها في الكنيسة إلى المرحاض. ووافق مورغان البابا فرنسيس على وصف تصرفات إسرائيل بأنها إرهابية، ونقل موقف رئيس الوزراء البريطاني السابق دافيد كاميرون، الذي تساءل: «لماذا لا تدعم المملكة المتحدة وألمانيا وقف إطلاق نار دائم بعدما قُتل الكثير من المدنيين؟». رأى مورغان الفلسطينيين عبر الدم الإسرائيلي. ولعلّ ذلك هو المدخل الوحيد إلى ضمير الرجل الأبيض، أن يتلاحم الخطر والدم والموت لكي يرى ويعترف بالمأساة، أن تطاله وتمسّه، وإلا يبقى يردد تُهم الإرهاب وحجج الإلغاء، ويبرر الموت والإبادة على أنها أضرار جانبية!
دائماً ما كان بيرس مورغان رجل استعراض، يعرف كيف يثير الجدل، تبعته سلسلة من الفضائح والأخطاء التي تعود إلى أكثر من 25 عاماً، ما أفقده وظائف عديدة، إذ فُصل من منصب رئيس تحرير صحيفة «ديلي ميرور»، بعدما نشر صوراً مزيفة لإساءة معاملة السجناء العراقيين. وبعد عقد، أقالته شبكة «سي. إن. إن» بعدما فقد جمهوره في الولايات المتحدة بسبب سلسلة من المحاضرات حول السيطرة على الأسلحة. بدأ حياته المهنية في «أخبار ويمبلدون» عام 1985، ووصفه زميله السابق روب ماكجيبون بأنه «تنافسي بجنون». ويوم كان كاتب عمود في صحيفة The Sun، اقترح أن يظهر في صور المشاهير لتعزيز مكانته. يتذكر في عام 1994: «أصبحت صديقاً للنجوم، مهووساً بالغرور بشكل كبير. مادونا، ستالون، بوي، بول مكارتني، المئات منهم. كان الأمر وقحاً». ليس مستغرباً أن يكون بيرس مورغان صديقاً مقرّباً للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وأن ينقلب عليه لاحقاً. هو لا يعرف متى يتوقف. يطلب اليوم من إسرائيل أن تعي متى تتوقف. غالباً ما تتنقّل هذه الفئة من الإعلاميين من ضفة إلى أخرى وفقاً للتطوّرات والمصلحة. وما قاله أخيراً منتقداً فيه إسرائيل، ليس سوى ما يتقنه تماماً: القفز من السفينة قبل الغرق، والقول: أنا من قدت الناجين.