في أحد الحوارات الصحافية معه، يشير المغنّي والمؤلّف الفلسطيني إلى أنّ عمّه وضاح زقطان الذي عاش معه أثناء طفولته، بغيتاره والكلاشنكوف معاً، شكّل صورة أسطورية في ذهنه. أمر شكّل وعيه الباكر وانحيازه إلى أغنيات سياسية اجتماعية تحكي الاحتلال والحرية والحرب والتراجيديا الفلسطينية المستمّرة منذ عام 1948. جاء «طوفان الأقصى» ليعرّي الفنانين الذي لا يرون ضيراً في التطبيل للأنظمة والملوك، لكنّ البكم أصابهم حين تعلّق الأمر بمحرقة غزّة. وها هو شادي زقطان يقف وحيداً، معلناً انسحابه من «أنغامي» احتجاجاً على محتواها الذي يسوّق الأغنيات الإسرئيلية
قبل أيام، كتب المغني والمؤلف الموسيقي الفلسطيني شادي زقطان «بوستاً» على فايسبوك هنا نصّه: «الأعزاء في «أنغامي»، لا أريد كتابة خطبة هنا. أنا شخصياً، لم أكن أعلم بوجود فنانين إسرائيليين على المنصة العربية الأولى لنشر الموسيقى العربية. في حال لم تتم إزالة أعمال الفنانين الإسرائيليين من على منصتكم، وليس فقط منع المشتركين من الشرق الأوسط من الوصول إلى محتواهم، سأقوم بسحب أعمالي المتواضعة من منصتكم الغراء. وأدعو كل الزملاء ورفاق الخشب والكوابل لعمل المثل. عيب». بدا النص متفجّراً وحاسماً في موقفه، فأن يخرج فنانٌ عربي ليقول رأياً مقاوماً، شكّل خطوةً شجاعةً للغاية، وخصوصاً في ظلّ غياب أي موقف مناصر لفلسطين من فناني الـ «A بلس» كما تسمّيهم شركات الإنتاج الفنية الكبرى أمثال عمرو دياب ونجوى كرم. لم يخرج أحد من هؤلاء بكلمة واضحة إزاء ما يحدث في فلسطين وتحديداً غزة، اللهم باستثناء بعض التغريدات اليتيمة أو البوستات المسطّحة الشبيهة بذلك الفيديو المريب الذي تحدّث فيه أشهر لاعب كرة قدم عربي حالي محمد صلاح عند بداية الأحداث في فلسطين قبل أكثر من شهرين. طبعاً، غياب الفنانين من أي طينةٍ أو لونٍ أو نوع، انسحب على شخصيات معروفة عربياً وفلسطينياً، حتى طال أيضاً الكاتب الفلسطيني المعروف إبراهيم نصرالله (صاحب «الملهاة الفلسطينية»)، الذي لا يزال منذ بدء الأحداث يمارس «ترفّعاً أدبياً» على صفحته الشخصية على الفايسبوك، بنشره جملاً مطّاطة من رواياته من دون تبني أي موقف صريح أو مؤيد للمقاومة بشكلٍ شبه علني وظاهر. الأمر نفسه ينسحب على فرج سليمان. حتى اللحظة، لم يسجّل صاحب «جبنا للولد بيانو» و«أحلى من برلين» أي موقف إزاء المجازر والدمار اللذين يحدثان بشكلٍ يومي في بلاده. طبعاً الأسماء الغائبة التي أصابها البكم، كثيرة للغاية، ما جعل موقف زقطان حدثاً مؤثراً يدعو إلى القليل من التفاؤل بأنه لا يزال هناك أملٌ ولو ضئيل بفناني العالم العربي، وخصوصاً مع استعداد هؤلاء أنفسهم ــــ أي فناني الصف الأول ـــــ للتطبيل لأي نظام عربي وفي أي مناسبة كانت.
المنصّة مدعومة من «أمهات» مؤسسات إعلامية كبرى تسيطر بشكلٍ شبه كلي على الميديا في الخليج


شادي زقطان صاحب أغنية «وطن» الذي يعزف على الغيتار، يقدم موسيقى حية ومتطورة أوجدت له مساحة خاصة عند الجمهور العربي. أكمل نقاشه على بوسته الفايسبوكي، ناشراً صورة لقائمة الاستماع الموجودة على «أنغامي» باسم «أغنيات إسرائيلية جميلة»، معلّقاً: «في إشي هيك بالعالم؟ بيوتيفول أغاني من الاحتلال؟ أنا ما كنت بصراحة أعرف. من زمان موجودين كمان مش جديد». وحين علم من إحدى متابعات صفحته بأنَّ «أنغامي» وقّعت «شراكة إستراتيجية حصرية مع مجموعة «إم بي سي» الرائدة»، أجاب بشكلٍ مباشر: «آاااه، يعني على الفاضي... شكراً على المعلومة، غائبين طوشة إحنا»، ليعود ويسأل بشكلٍ مباشر: «مين عندو «أنغامي» هون؟ ممكن حدا يتأكد أنّ المحتوى (يقصد الإسرائيلي) متوقف أو لا؟». ثم عاد وأضاف: «تواصل معي مدير محتوى «أنغامي»، لا يوجد محتوى لهم (للإسرائيليين) في «أنغامي»». طبعاً هذا الكلام سرعان ما كذّبه متابعو الصفحة حينما علّقوا بأنّ المحتوى الإسرائيلي في «أنغامي» متوقّف «فقط في مناطقنا»، إذ يبدو أنّ الشركة تمارس لعبة التذاكي، فمنعت تصفّح واستماع أغنيات العدو في المنطقة العربية. لكنّ هذا أيضاً سرعان ما عاد ونفاه مشارك مصري على الصفحة، مشيراً إلى أنّ «المحتوى مش متوقف، موجود وشغال في مصر، وفيه كمان بودكاست لــ Times of Israel». ردود أفعال بعض المعلّقين كانت بإلغاء اشتراكاتهم في «أنغامي»، وهذا «أضعف الإيمان» من وجهة نظرهم.
«أنغامي» فعلياً شركة عربية أسّسها إيلي حبيب وإيدي مارون من بيروت عام 2012. وبحسب التعريف عنها الوارد على موقعها الرسمي، فإنّها «منصة البث الموسيقي القانونية والرائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تضم مكتبتها أكثر من 57 مليون أغنية عربية وأجنبيّة، إضافة إلى حوالى 200 ألف بودكاست عربية وأجنبية، متاحة للاستماع والتحميل من قِبَل أكثر من 70 مليون مستخدم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية». في عام 2021، انتقل مقرّ «أنغامي» الرئيسي إلى أبو ظبي في الإمارات في إطار التعاون مع «سوق أبو ظبي العالمي» (ADGM) و«مكتب أبو ظبي للاستثمار» (ADIO). للشركة أيضاً مكاتب في كل من بيروت، ودبي، والقاهرة والرياض، وتضم أكثر من 160 موظفاً. يُضاف إلى كل هذا أنّ الشركة/ المنصّة مدعومة بحسب نص التعريف المتوافر على موقعها «من كبرى شركات رأس المال الاستثماري، إضافة إلى شركاء إستراتيجيين مثل Middle East وVenture Partners (MEVP) وMBC Group، وشركة الاتصالات السعودية «موبايلي»، وشركة الاتصالات الإماراتية Du، إضافةً إلى شركة «شعاع كابيتال»، وSamena Capital الإماراتية، وMegladon السعودية، وEndeavor الأميركية، وSal & Co الأميركية». ولمن لا يعلم، فإنّ كل هذه الشركات هي «أمهات» مؤسسات إعلامية كبرى تسيطر بشكلٍ شبه كلي على الميديا والمنظومة الإعلامية في دول الخليج والكثير من دول الوطن العربي. في الوقت نفسه، يشير تعريفٌ آخر إلى أنَّ المنصّة تعرض محتويات مرخّصة لشركات عربية وأجنبية معروفة مثل «بلاتينيوم ريكوردز» و«مزّيكا» و«ميلودي» و«روتانا»، وأجنبية مثل «يونيفرسال» و«سوني» وEMI و«وورنر». باختصار، تبدو «أنغامي» أشبه بـ «جنة» للموسيقى لمن يستطيع الدفع. يتأمّن مفتاح هذه «الجنة المفترضة» بحوالى خمسة دولارات شهرياً، أو قرابة الخمسة والأربعين دولاراً سنوياً. مبلغ شبه مرتفع حتى على الطبقة الوسطى في بلاد مثل سوريا، ومصر، أو حتى لبنان.
في المحصّلة، يبدو أنَّ تأثيرات «طوفان الأقصى»، وأحداثه لا تزال تُحدث هزاتٍ ثقافية واجتماعية وحتى فنية في المجتمع المشرقي العربي وتُعيد تعريف الثقافة والفن ورؤية المجتمع لهما ولمقدميهما.