إذا كان السلاح الوحيد الذي يمتلكه الفلسطينيون في الشتات هو كلمتهم، فإن فلسطينيّي سوريا لا يجدون بدّاً من استخدام هذا السلاح بأقصى ما يستطيعون من أجل دعم أهلهم في قطاع غزة، لو معنوياً. يرفض هؤلاء استخدام مصطلح «التضامن»، ويعتبرون أن تفاعلهم محدّدٌ بالأدوات التي يملكونها للتعبير، مثل التظاهرات والوقفات والجلسات والاجتماعات التي ينظّمونها. تعترف أم معتز التي التقتها «الأخبار»، بأنه «ما باليد حيلة»، وأن أقصى ما تستطيع تقديمه إلى أبناء بلدها، هو الدموع التي تذرفها ليل نهار. أمّا نور، التي شاركت في عدد من المسيرات في دمشق، فترى أن ما تفعله هو «محاولة لفضح الممارسات الصهيونية والمجازر المرتكبة ضدّ الشعب الفلسطيني، ومناشدة الدول العربية لنصرة الفلسطينيين قولاً وفعلاً، وعدم خيانتهم». ويجد أبو عمر، بدوره، أن مهمّته اليوم، حتى عودته إلى دياره، «تتلخّص في المساهمة في تنشئة الجيل الحالي على المبادئ المرتبطة بالمقاومة، ليستمرّ في حمل القضية في قلبه، والعمل على رفع سويّة المجتمع الفلسطيني بالعلم والعمل لزيادة دعم قضية فلسطين في العالم». وفي الاتّجاه نفسه، يبيّن نائب رئيس «المؤسسة الفلسطينية للثقافة والتنمية»، المحامي رامي جلبوط، أن «ما تفعله المؤسّسة، بالتنسيق مع مؤتمر الشباب الفلسطيني والمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، هو نشاطات محدودة نوعاً ما»، مضيفاً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «هذا النوع من التحرّكات في سوريا تحكمه ظروف خاصة جدّاً، من شأنها أن تحدّ من حرية الخيارات، وعلى رأسها المخاوف الأمنية من استهداف الإرهاب لأيّ تجمعات. لذلك، تُعوّض قلة الوجود في الساحات بنشاط عالٍ جداً على منصّات السوشال ميديا». ويقول جلبوط إن «ما يحدث الآن يعيده بالذاكرة إلى أيام مخيم اليرموك وبقية مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، إذ كانت تشتعل أثناء أحداث مثل هذه ولا تنام، وتستمرّ فيها التظاهرات على مدار الساعة، ولكن اليوم وبعدما دُمّرت معظم المخيمات الفلسطينية، وهُجّر سكانها، أصبح أيّ حراك متفاعل مع الأحداث في الوطن الأم مرتبطاً بالتنسيق والموافقات المسبقة سواءً للفلسطينيين أو السوريين».

رسائل الحقيقة
رغم الإمكانات البسيطة المتاحة لديهم، يسعى فلسطينيّو سوريا، جاهدين، إلى إيصال صوتهم إلى العالم، عبر إطلاق حملات إلكترونية مكثّفة، تستهدف تظهير الصورة الحقيقية لما يحدث في فلسطين. ويشير مسؤول الكتلة الطالبية في «حزب الشعب الفلسطيني» في سوريا، وائل الهرش، في هذا الإطار، إلى «قيام الحزب بمحاولات للوصول إلى المجتمعات الغربية المغيّبة إعلامياً عن مأساة الشعب الفلسطيني، عبر إرسال نداء إلى كلّ أحزاب العالم بلغاتها المحلية، لتعريفها بما يحدث في غزة، على أمل أن تضغط تلك الأحزاب على حكوماتها لمساعدة الشعب الفلسطيني».
كان من الصعب تمييز الأصوات السورية من الفلسطينية، في التظاهرات التي انطلقت في عدد من المناطق من سوريا

ويضيف الهرش، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الطموح كان أن نصل إلى تكوين رأي عام شعبي في عدد من الدول، عبر تلك الأحزاب لمناصرة القضية الفلسطينية، لكن ما استطعناه فقط هو توضيح مفاهيم غائبة عن هذه الشعوب بخصوص الصراع عموماً والحرب التي يشنّها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة خصوصاً»، لافتاً إلى أن «الحزب عقد اجتماعات عدّة مع أحزاب برازيلية وإسبانية ومكسيكية ويونانية وجنوب أفريقية وهندية وروسية لإيضاح تلك الحقيقة». ويؤكد الشاب أحمد عوض، بدوره، أنهم بصفتهم مجموعة من الفلسطينيين، غالبيتهم يقيمون في سوريا، عملوا منذ الساعة الأولى لمعركة «طوفان الأقصى»، على تفعيل كلّ المنصّات الإعلامية وصفحات التواصل الاجتماعي التي يديرونها، ونشر الدعوات إلى المشاركة في الوقفات الشعبية التي تنظّمها الأحزاب والمؤسّسات الفلسطينية والسورية.

شركاء في البندقية
كان من الصعب تمييز الأصوات السورية من الفلسطينية، في التظاهرات التي انطلقت في عدد من المناطق من سوريا. كما لم يعبّر الشكل العام للوقفات التضامنية عن هويّة منظّميها، وما إن كانت مؤسّسات فلسطينية أم سورية، على اعتبار أن السوريين، ورغم ما يعانونه من إرهاق الحرب والظروف المعيشية الصعبة، ظلّ وجدانهم مشدوداً إلى القضية الفلسطينية. إلّا أن الطموح الفلسطيني يتصاعد اليوم إلى حدود تفعيل المعركة والمشاركة فيها على الأرض. وفي هذا الإطار، يقول مسؤول العمل الشبابي في «جمعية الصداقة الفلسطينية - الإيرانية»، محمد مسعود، لـ«الأخبار»، إن «المعركة اليوم مع الاحتلال باتت وجودية يحكمها العمل العسكري، لذلك، نجد مئات الآلاف من الشباب الفلسطينيين في الشتات، مستعدّين للمشاركة في معركة التحرير»، معتبراً أن «على الجهات المعنيّة رفع الاستعداد لخوض هذه المعركة، إلى جانب المقاومة الفلسطينية ضدّ الاحتلال، فهي معركة مصيرية لكلّ المنطقة العربية»، مشيراً إلى الدور الكبير والمنتظَر لـ«محور المقاومة» في «تقديم كلّ ما يلزم لمواجهة العدو في قطاع غزة وجنوب لبنان». وتعتقد ولاء، العاملة في مجال الإعلام، من جهتها، أن «الطريق الوحيد الذي يعيد الحقّ إلى أصحابه، هو البندقية والمقاومة المسلّحة»، مضيفةً «(أنّنا) نطمح إلى دعم الدول الشقيقة والإخوة العرب والمسلمين للفلسطينيين، بهدف دحر الاحتلال الصهيوني، والذي يتحقّق بالمقاومة المسلّحة والمقاطعة الاقتصادية والحرب الإعلامية».