يدسّ عبد الرحمن جودة يده حتى آخر قطعة ملبوسات في زاوية متجر البالة الواقع إلى الغرب من مدينة غزة. يحاول الرجل أن يستخرج أفضل قطعة مستخدمة من بين عشرات القطع التي ترتص فوق الرفوف بشكل متناسق على غير عادة متاجر البالة التي تتناثر فيها القطع بشكل عشوائي.
يصف جودة (35 سنة) جهده في البحث عن القطع، بأنها أشبه بالبحث عن «أبرة في كومة قش»، فهو ينقب عن القطع الموسومة بالماركات التجارية المشهورة على شاكلة (Nike-Tommy- Adidas- Lacoste) وغيرها.


يقول جودة وهو موظف يتقاضى نصف قيمة راتبه بفعل الاستقطاع الحكومي: «ليس لدي قدرة على شراء مثل هذه الماركات التي يقتنيها الشبان من عمري، فهي تنطوي على تكلفة مالية باهظة ولا أملك القدرة على ذلك في ظل إعالتي لأسرة مكونة من خمسة أفراد بقيمة راتب بالكاد تغطي احتياجات الأسرة الأساسية، لذلك أفضل اقتناءها من متاجر البالة».

يتهكم الرجل على واقعه بعد أن علق على ساعده قميصين قام باختيارهما: «هو فقر وقلة كيف... البالة فرصتنا للتحايل على ظروفنا الاقتصادية الخانقة، فهي موفرة من جهة، وفي نفس الوقت تسد حاجتنا لاقتناء الماركات التي يتباهى بارتدائها الشبان أبناء جيلي».

الشيء ذاته تفعله، سماح سالم (25 سنة)، حيث تعتمد على البالة اعتماداً رئيسياً في كسوتها السنوية. تنتظر الشابة سالم وهي معلمة في إحدى حضانات قطاع غزة وتتقاضى أجر 400 شيكل شهرياً (130$) وصول رسالة إلى هاتفها النقال تفيد بوصول قطع مميزة من البالة الأوروبية بين الحين والآخر.

وتقول سالم: «بين الحين والآخر يخبرني صاحب متجر اعتدت زيارته، بتوفر قطع بالة أوروبية، اهتم باقتنائها لعدم قدرتي على شراء مثل هذه الماركات من محلات الملبوسات الحديثة المستوردة». لا تجد سالم حرجاً في اقتناء مثل هذه القطع، مشيرة إلى أن صديقاتها اعتدن على سؤالها دائماً عن مصدر تلك القطع والتي في غالبيتها تحمل وسم الماركة، غير أنها تفضل الإنكار بادعاء أنها هدايا من خارج غزة المحاصرة.

غير أنها تعود لتعبّر عن استيائها من ارتفاع أسعار بعض متاجر البالة، والتي في بعض الأحيان قالت إن أسعارها تفوق قطع الملبوسات الجديدة. وأرجعت ذلك إلى زيادة الإقبال عليها نتيجة أن الناس أصبحت تعتبر اقتناء الماركات مصدراً للتباهي بين الأقران.

وقبل عشرة أعوام على الأقل، كانت أسواق البالة ومتاجرها في قطاع غزة، تمثل قبلة لفئة محدودة من الناس، لا سيما الفقراء والمعوذين، فيما أن عدد المتاجر الآن يقدر بالمئات مقارنة مع متاجر الملبوسات الحديثة نتيجة تضخم أعداد زبائنها.

ولا يهتم الزبائن بمصدر هذه الملبوسات، ويظن البعض أن غالبيتها أوروبية، في حين يشير تجار محليون إلى أن قطاع غزة يشكل السوق الأول للبالة الإسرائيلية، حيث اعتاد سكان دولة الاحتلال على تبديل ملابسهم تزامناً مع عيد الفصح من كل عام (15-22 أبريل) لغايات عقائدية في الدين اليهودي. في حين يقوم التجار الفلسطينيون بجمعها في حاويات كبيرة ومن ثم يجري شحنها إلى القطاع عبر المعابر الإسرائيلية.

ولا توجد إحصاءات دقيقة حول هذه الكميات من البالة المستوردة، غير أنها تصل إلى مئات الأطنان، وفق إفادة تجار.

يقول محمد البدرساوي وهو تاجر للبالة: «كلما أغلق الاحتلال المعابر التجارية يخشى السكان من توقف تدفق البالة إلى القطاع بحجم اعتيادهم على اقتنائها، لكننا دائماً نطمئنهم بأن لدينا أطناناً مكدسة في المخازن».

ويرجع البدرساوي ارتفاع أسعار قطع البالة أخيراً في قطاع غزة، إلى أمرين: «الأول تزايد حجم الاستهلاك، والثاني اضطرار بعض الباعة إلى استئجار متاجر مخصصة تحتوي على ماركات وتخضع لعملية تنظيف، بعدما كانوا يلقون بها أكواماً في الأسواق المنتشرة على مستوى محافظات القطاع الخمس».