غزة | مرة أخرى يعود المال القطري إلى قطاع غزة قبيل ذروة «مسيرات العودة» في الخامس عشر من الشهر الجاري، إذ يتوقع أن يشارك عدد كبير من الغزيين الذين يعيشون واقعاً صعباً في ضوء اشتداد الحصار الإسرائيلي والعقوبات التي تفرضها السلطة الفلسطينية. ويأتي القطريون الآن بمشاريع إغاثية ومقترحات لدفع رواتب الموظفين التابعين للسلطة في القطاع من جهة، وللموظفين الذين عينتهم حركة «حماس» من جهة أخرى.من دون مقدمات، حضر السفير القطري إلى «الأراضي الفلسطينية»، محمد العمادي، إلى القطاع عبر حاجز «بيت حانون ــ إيريز» الذي يديره الجانب الإسرائيلي، وذلك في زيارة قصيرة استمرت لساعات التقى خلالها رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، ليعلن بعدها منحة عاجلة لغزة بقيمة نحو 14 مليون دولار «بمناسبة شهر رمضان» تستهدف قطاعات التعليم والصحة والإسكان والاحتياجات الخاصة. وليس بعيداً من التحذيرات الإسرائيلية الأخيرة، من أن العقوبات التي تفرضها السلطة على غزة والأوضاع الاقتصادية الحالية قد تؤدي إلى زيادة المشاركة الجماهيرية في «مسيرات العودة»، أكد العمادي أن الدوحة «تعمل على سد النقص الموجود في رواتب الموظفين من كلا الجانبين (السلطة، وغزة)... سنبذل جهوداً كبرى في هذا المجال».
ووفق مصادر مطلعة تحدثت إلى «الأخبار»، نقل العمادي رسائل إلى الإسرائيليين حول الوضع في غزة وتحذيرات من تفجر الأوضاع منتصف الشهر الجاري، فيما أبدت تل أبيب موافقة للقطريين على السماح بتحسين الواقع الإنساني، وهو ما ترجم أخيراً بالموافقة على مجموعة من المنح والمساعدات القطرية. كما نقلت المصادر أن السلطة سربت إلى المصريين تسجيلاً مصوراً بين قيادي في «حماس» والعمادي تحدثا فيه حول «الرسائل المتبادلة» مع تجديد النقاش في عرض هدنة طويلة مقابل «تخفيف» الحصار عن القطاع.
بموازاة ذلك، تذكر المصادر نفسها أن السفير القطري يعمل حالياً على تهدئة الأوضاع تخوفاً من حرب لاحقة إذا تصدى العدو بقسوة كبيرة للمسيرات المرتقبة، وقد قدم في سبيل ذلك عدداً من المقترحات منها تسليم إدارة غزة لجهات فلسطينية مستقلة تدير الأمور الحكومية والمعيشية مستندة إلى الأموال التي تجبيها إسرائيل للسلطة على معابر القطاع، مقابل هدوء الجبهة العسكرية لسنوات عدة، وذلك بالتزامن مع تمكين الفلسطينيين من إنشاء ممر بحري عبر ميناء غزة برقابة دولية، الأمر الذي يشابه عرضاً أوروبياً سابقاً (راجع العدد 3443 في 16 نيسان). لكن كل هذه الجهود لم تثمر عن شيء نظراً إلى التعامل غير الجدي معها من طرفي الصراع.
لم تلاقِ جهود العمادي تجاوباً كبيراً من إسرائيل أو «حماس»


يتزامن ذلك مع ما نقلته صحيفة «هآرتس» العبرية أمس عن مصادر وصفتها بالخاصة وفيها أن «قيادة حماس في غزة نقلت عبر قنوات رسائل تظهر استعدادها لإدارة مفاوضات غير مباشرة حول وقف إطلاق نار طويل المدى»، مشيرةً إلى أن الرسائل نقلت في عدة مناسبات خلال الشهور الأخيرة. لكن «حماس» طلبت أن يكون هناك صفقة تشمل تسهيلات واضحة في تخفيف الحصار وموافقة الاحتلال على إقامة مشاريع كبرى داخل القطاع في مجال البنية التحتية وأيضاً إتمام صفقة تبادل الأسرى، لكن «إسرائيل لم تعط جواباً واضحاً عن هذه الرسائل».
في المقابل، ترى «حماس» أن الحديث الإسرائيلي في هذا الإطار قبل ذروة مسيرات العودة يهدف إلى التأثير سلباً في المسيرات، وهو ما دفعها إلى نفي ما نقلته «هآرتس»، قائلة عبر القيادي يحيى موسى إن «ادعاءات هآرتس لا أساس لها من الصحة... لدينا هدف واحد ومصممون عليه هو إنجاح مسيرات العودة في الذكرى الـ70 للنكبة».
في هذا الإطار، قدرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن طرفي الصراع بعد 15 أيار سيكونان أمام سيناريوين اثنين هما أن تكون الخسائر على الجانب الفلسطيني كبيرة «بما يخلق وضعاً تفقد فيه حماس المزيد من الإرادة أو القدرة على كبح جماح الجناح العسكري وخوض مواجهة عسكرية الأمر الذي يمكن أن يصبح حرباً أخرى». أما الثاني، فهو أن تظهر مبادرة سياسية ــ اقتصادية. وهنا، كشفت «يديعوت» أن منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية السابق في مناطق السلطة، يوآف مردخاي، نجح في تجنيد عدد من البلدان لتنفيذ مشاريع بنية تحتية في غزة في نطاق غير مسبوق تشمل مجال المياه والصرف الصحي والكهرباء، الأمر الذي سيوفر تدفق الأموال وحلولاً لتوظيف سكان غزة، وذلك بإدارة «صندوق مستقبلي» خاص، لكن هذه الخطة «عالقة بسبب محاربتها من الرئيس الفلسطيني محمود عباس».
في شأن متصل، وبينما بدأت بلدية الاحتلال في القدس المحتلة تركيب لافتات في المدينة مكتوب عليها «السفارة الأميركية»، أعلنت «الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار» أن الرابع عشر من الشهر الجاري «سيكون يوماً عالمياً لرفض نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس عاصمتنا الأبدية، وسيكون يوماً فارقاً في مسيرات العودة لمواجهة الاحتلال وتصعيد الغضب الفلسطيني والعربي والإسلامي».
إلى ذلك، تواصل سلطات الاحتلال منع أهالي أسرى «حماس» في غزة من زيارة أبنائهم في السجون كجزء من العقاب الذي أقرته عليهم بعد أسر عدد من الجنود الإسرائيليين في غزة إبان حرب 2014، في وقت سمحت فيه لـ16 من أهالي أسرى القطاع بالتوجه لزيارة 10 أسرى في سجن «نفحة» الصحراوي، علماً أنه يوجد في السجون قرابة 350 أسيراً غزياً.