تخرج مدينة القدس المحتلة دائماً من نطاق أي عملية انتخابية للبلديات الفلسطينية، رغم أنها دوماً شكلت العنوان الأساسي لخطابات الفصائل، فيما الواقع على الأرض يثبت افتقاد المدينة زخم العمل التنظيمي وشحّ الموازنات، فضلاً عن أنها غائبة عن الخدمات الأساسية التي يمكن المقدسيين التمتع بها أسوة بمدن الضفة والقطاع.ويفرض «قانون توحيد القدس الشرقية والغربية»، الذي وضعه الاحتلال، فكرة إسرائيلية تقول إن جميع أحياء المدينة «عاصمة موحدة لإسرائيل»، فيما حرمت اتفاقية أوسلو المبرمة بين السلطة وإسرائيل القدسَ جوانبَ كثيرة أرجئ الحديث عنها إلى وقت غير معلوم.
عموماً، لا يمكن المقدسيين المشاركة في انتخابات البلديات والمجالس المحلية إلا من يسكن القرى المقدسية التي تقع داخل الجدار، وغالبيتهم من حملة الهوية الفلسطينية. ويبلغ عدد القرى المقدسية التي ستشارك في الانتخابات ٢٨ قرية (١٢ بلدية، و ١٦ مجلساً قروياً). وقد سجل ٦٥ ألف فلسطيني ممن يسكنون قرى القدس ويحق لهم الانتخاب بتسجيل أسمائهم للمشاركة، وهؤلاء من أصل ٧٥ ألفاً يقطنون تلك القرى، في مقابل أن عدد سكان القدس جميعها مع القرى التي أخرجتها بلدية الاحتلال من حدودها هو ٤٢٥ ألفاً، ٣٥٠ منهم يحملون الهوية المقدسية الإسرائيلية!
أما المقدسيون الذين يسكنون داخل حدود بلدية الاحتلال، فيسمح لهم بالمشاركة في العملية الانتخابية إذا كانت مقتصرة على انتخابات الحكومة أو المجلس التشريعي، وهذا هو سبب مشاركتهم في انتخابات ٢٠٠٦ حينما سمح الاحتلال لستة آلاف فقط بالاقتراع داخل «حدود بلدية القدس»، فيما أجبر الآخرون على التصويت في رام الله!
هذه الموافقة تعود إلى اتفاقية شرم الشيخ ١٩٩٥ استكمالاً لاتفاقية أوسلو، التي أقرّ فيها العدو بأنه سيسمح للمقدسيين بالمشاركة في العملية الانتخابية داخل القدس وخارجها.
أما عن سبب المنع المتعلق بالانتخابات البلدية، فهو النظرة الإسرائيلية إلى أنه لا بلدية في القدس إلا لإسرائيل، لذلك يحق للفلسطينيين المشاركة في انتخابات «بلدية أورشليم» فقط!
في المقابل، كان يوجد ما اصطُلح على تسميته «أمانة القدس» (المجلس البلدي لمدينة القدس قبل احتلالها عام 1967، ثم تحولت إلى إحدى الهيئات التي تعمل من أجل الأقصى وما حوله من أحياء، ومقرّها الحالي في مدينة عمان). وفي 2002 تقدم المجلس التشريعي الفلسطيني بمشروع قانون «أمانة القدس»، ثم أعيد تشكيل «مجلس أمانة القدس» في الأردن.
لكن بلدية الاحتلال عملت على تشكيل ما يُسمّى «مجالس أحياء» لإدارة الخدمات داخل أحياء القدس العربية، وذلك لتجنيب موظفيها الاحتكاك بالمقدسيين. لكن هذه المجالس محدودة الصلاحيات وتقتصر مهماتها على تقديم بعض الخدمات، وهي تعمل وفق هيكلية بلدية القدس وقوانينها، وتتبع إدارياً لبلدية الاحتلال.
تأسيساً على ذلك، لا تعير «فتح» أو «حماس» ملف الانتخابات البلدية في القدس أدنى اهتمام، ولم يرد على لسان أي منهما تصريح بهذا الخصوص. وعلى الأرض، تجنبت الفصائل المشاركة في الانتخابات تشكيل قوائم انتخابية لها في المدينة المقدسة، ما دفع المقدسيين إلى تشكيل قائمة شبابية وتسجيلها لدى «لجنة الانتخابات المركزية» كخطوة رمزية لإثارة موضوع المدينة سياسياً.
الأكثر خطورة في المشهد المقدسي، هو رفع تمثيل مجالس القرى المحيطة في القدس إلى مستوى بلديات، الأمر الذي كان يرفضه الرئيس الراحل ياسر عرفات، لأن رفع التمثيل يعني إلغاء فكرة أن تكون هناك بلدية أو أمانة لمدينة القدس، على اعتبار أنها ستكون عاصمة للدولة الفلسطينية.
في السياق، يقول المسؤول الإقليمي للجنة الانتخابات الفلسطينية، جميل الخالدي، إن تصويت حملة الهوية الزرقاء من سكان القدس في الانتخابات يعرضهم لسحب هوياتهم، ما يفقدهم حق السكن في المدينة. وأشار الخالدي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن أي ترتيبات للانتخابات في القدس يجب أن تكون وفق اتفاقات محددة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وكانت «لجنة الانتخابات» قد افتتحت ستة مراكز انتخابية لتسجيل الناخبين المقدسيين القاطنين شرقي القدس في انتخابات المجالس المحلية عام 2004 ، لكن سرعان ما دهمتها الشرطة والمخابرات الإسرائيلية، كذلك عمدت إلى توقيف طواقم التسجيل والتحقيق معهم لعدة ساعات، وفحص وتصوير نماذج التسجيل والمواد التي بحوزتهم. وبعد عدة أيام من الدهم وترهيب الموظفين والمسجلين، أقدمت السلطات الإسرائيلية على إغلاق مراكز التسجيل في المدينة وعلقت على أبوابها أوامر تمنع استعمالها.