![](/sites/default/files/old/images/p14_20101115_pic2.jpg)
في الداخل، تزدحم مقاعد المسرح بمتفرّجين من رام الله والضفة، من أتى متأخراً ولم يجد له مقعداً تسمّر وقوفاً في الخلف. ضجة موسمية هنا تشتّت التركيز عمّا يعرض على خشبة المسرح، وبكاء موسمي آخر هناك لطفل أو طفلة مدلل/ة ـــــ لا يعلم إلا الله لماذا جيء به/ا ـــــ يشوّش على القصيدة التي يلقيها الشاعر العكاوي الشاب. ألتفت متأفّفة خلفي: «يا ويلي حتى هون كمان في ناس بتجيب ولادها الصغار معها؟». سرعان ما تحول تقطيب حاجبي إلى ابتسامة، فالمشهد مطابق لتلك الحفلات التي تقام في قصر الأونيسكو ببيروت الذي تزدحم مقاعده ومدرجاته بالآتين من مختلف مخيمات لبنان، والذي يأتي متأخراً ولا يجد مقعداً له يتسمر وقوفاً في الخلف. قلت في نفسي: «كم نشبه نحن الفلسطينيين أنفسنا، وكم هو جميل ما يجمعنا وسخيف ما يفرّقنا رغم أنف حماس وفتح».
يعيد صوت محمود درويش الحاضر بصخب غيابه تصويب تركيزي مجدداً إلى خشبة المسرح. أعضاء الفرقة ينسابون على خشبته، على أنغام موسيقية مشبعة بوقع صوته، كمن يتلوّى ألماً من شدّة ضرب جلاده، فيكاد يقع، لكنه يمشي على ألمه ثمّ يمشي ويقاوم. هكذا، كان وقع صدى كلماته، كأنها تسرّبت من جدران ضريحه الواقع خلف المسرح مباشرة، لتتسلّل إلى داخل المسرح وتضفي على أجوائه الساحرة مسحة رومانسية تخطف الروح لتردّها مع قوله «على هذه الأرض، سيدة الأرض، ما يستحق الحياة».
في المرة المقبلة في قصر الأونيسكو ببيروت، سأقدّر تلك الأصوات المزعجة، ولن أتأفّف من تلك الأحاديث الجانبية عن الجارة المشتركة لنسوة يجلسن قربي، لن ألتفت إلى الوراء معبّرة عن ضيقي من بكاء أحد الأطفال. بل قد «أتوسّط» لإحدى المسنّات ليسمح أحد منظّمي الحفل لها بأخذ رزمة الأعلام أو الكوفيات التي تصرّ على توزيعها على الأولاد «لأنن رح ينبسطوا حرام». الأهم من ذلك، أنه في المرّة المقبلة وعند شروعي بالخروج من قاعة قصر الأونيسكو في بيروت، سأقول: «أووف كم يشبه هذا الحفل آخر حفل حضرته في رام الله».