خاص بالموقع - متى يحصل التغيير؟ وكيف نقوم به؟ هل هناك بروتوكول معيّن للقيام بالثورة؟ هل هناك جماعة ننتظر لقاءها بعضها ببعض ليحصل التغيير؟ شيء يشبه الروايات الأسطورية. هل ننتظر نبياً وحاملاً للرسالة؟ أسئلة كثيرة تجول في خاطري هذه الأيام. أسئلة أعتقد أنّها تجول في خواطر العديد من الناس. متى يحصل التغيير في لبنان؟ لماذا لم ننعى بعد «حملة إسقاط النظام الطائفي» ونتعلم منها؟ لماذا الشارع هادئ أمام التلاعب بزيادة الأجور؟ هل أنا الشخص الوحيد في لبنان القلق على الإيجارات الخيالية؟

حملة إسقاط النظام الطائفي
البعض منا أحرق نفسه وطاقاته في العمل على الحملة التي يتضح عدم جدواها يومياً. فالحملة قد استفحل بها، منذ اللحظة الأولى لقيامها، «سرطان» الأحزاب الطائفية والفاشية، وتلك التي تحمل أفكاراً غير صالحة للعصر. وأقول هذا لأنّ الأحزاب تلك قد استطاعت أن تفرض ديناميكيات القوة والهرمية المطلقة في الاجتماعات التحضيرية، وبالتالي تركيب تنظيم اجتماعي تقليدي كان من المستحيل أن تصدر عنه دعوة حقيقية للتغيير. وأقصى ما استطاع أن يصدر عنه هو «تنفيسة» صغيرة في الشارع، أو أمل احترق بسرعة الضوء، أحبط الناس. وكانت الأحزاب التقليدية/ الطائفية في انتظار هؤلاء لتحتضنهم بعد هذه المغامرة الخائبة. الناشطون المستقلون أكدوا للشارع الذي يترقّبهم الشائعات التي قد روّجتها الأحزاب الطائفية عنهم، أي إنّهم شبان وشابات غير مسؤولين ومسؤولات عن أفعالهن/م. غير أنّنا تعلمنا شيئاً أو اثنين من التجربة المرّة تلك.
لن تستطيع حملة «إسقاط النظام الطائفي» في لبنان أن تضم أيّاً من الأحزاب أو الأشخاص الذين لهم تاريخ في إقامة النظام نفسه، والحروب التي أدت إلى طغيانه حلاً وحيداً، والراديكالية في رفض هؤلاء بالتحديد وعزلهم هي الخطوة في توضيح خط المعركة. إسقاط النظام الطائفي لا يستطيع أن يقوم على المساومة ولا على علاقات شخصية، كذلك فإنه ليس مكاناً للتطهّر، ولا يستطيع أن يقوم بناءً على «عادة» في العمل السياسي. العمل من أجل التغيير يتطلب أن نخرج من «فضائنا الآمن» إلى فضاء آخر نكتشفه بالتجربة والانتباه إلى علاقات القوة في عملنا. في مشاركتي والقليل من زميلاتي النسويات المحدودة في الحملة التي أدت إلى انسحابنا السريع من العمل من خلالها، كان من الواضح لنا علاقات القوّة وديناميكياتها التي تعلقت بالعمر، والجندر والانتماء الحزبي. إن لم نكن في قمة الوعي للعلاقات المبنية على السلطة والقوة في أي تنظيم سياسي، فلن نستطيع أن نكون بديلاً حقيقياً .
قد يتطلّب الأمر الشجاعة، غير أنّه أصبح من الضروري أن يوجّه من تبقّى من الناشطين المستقلين في «حملة إسقاط النظام الطائفي» اعتذاراً إلى الشارع، ويعلنوا وفاة «الحملة» رسمياً وحلّها، والعمل على بناء الطاقة والأمل من جديد، وذلك بناءً على الأخطاء والدروس التي تعلمناها.

مغارة جعيتا و«ثلاث بيضات بألف»
لا علاقة مباشرة للبيض بمغارة جعيتا، غير أنّ الجهود الرسمية والمحلية للتصويت للمغارة كإحدى عجائب الدنيا السبع أمر يدعو إلى الذهول والدهشة. ففي غلاء المعيشة هذا الذي دفع ببضع شابات إلى الكتابة «ثلاث بيضات بألف» على «الألف ليرة»، يتقاطع البيض والتصويت للمغارة (الذي يتطلب عشرة سنتات أميركية). التصويت للمغارة يعني التصويت للبنان كبلد آمن، ومرحّب بالزوار. كأنّ وزارة السياحة في شبه غيبوبة عن أحوال الناس وفقرهم وغلاء معيشتهم. فهل المطلوب أن نستقبل الزوار ونشاهدهم يعجبون لجمال المغارة، الطبيعي للمناسبة، ولا علاقة للإنسان اللبناني به، فيما المقيم هنا يحسب حساب الألف ليرة التي تستطيع أن تشتري له ثلاث بيضات فقط.
التصويت للمغارة يعكس أزمة بشأن كيف نرى أنفسنا كلبنانيين، ولماذا الهوس الدائم بالعالمية. هل لأنّنا لا نستطيع أن نرى أنفسنا في عيون محلية؟ أم انّنا نخاف من القيام بذلك؟ من صوّت لمغارة جعيتا صوّت لكذبة ووهم جديدين، بأنّ الأمور على ما يرام، وبأنّ البلد في حال من الترف والرفاه إلى درجة أنّ أزمة البلد الحالية هي اعتبار المغارة أعجوبة عالمياً. كأنّ المغارة ــ الأعجوبة ستدرّ البيض الذهبي الذي سيرفع الحد الأدنى للأجور، ويوفر الطبابة والضمان الاجتماعي والسلم الأهلي والمساواة. الأمر الوحيد التي تفعله المغارة في الحقيقة هو جمع اللبنانين، وبدونها فكل في مغارته ينتظر الفرج. وذلك تحديداً ما تفعله حملة «التلات بيضات بألف» ولو بطريقة أكثر رمزية. فهي تقول للفقراء والذين يمحّصون في الألف قبل دفعها إنّ هناك من ينتبه إلى الأمور التي تؤول إليها البلاد. تفشل وزارة السياحة مجدداً في أن تنتبه إلى تفاصيل صغيرة، كتصويت عبر الهاتف ليكون لبنان ضمن عجائب الدنيا السبع، وهو في صدارة أرقام البلدان الأكثر كلفة على صعيد الاتصالات، أو أنّه في الوقت الذي «وفّرت» فيه وزارة السياحة حافلات نقل مجانية للعمال الأجانب في حال رغبتهم في التصويت للمغارة، تناست أوضاعهم المزرية وقوانين العمل العنصرية التي يعملون من خلالها، وأضافت بُعداً آخر لاستغلالهم. لم تنجح مغارة جعيتا في أن تكون من عجائب الدنيا السبع الجديدة، لأنّه على الرغم من جمالها، لا تستطيع أن تخفي القبح المحيط بها، رغم محاولات التجميل المستميتة من قِبل الوزارة!

لا تضغط «لايك» على فايسبوك
إن كان زر «لايك» على فايسبوك هو أقصى ما تستطيع فعله في مناصرتك للقضايا الاجتماعية، فلا تضغط عليه. هناك العديد من التحركات والمواقف السياسية الراديكالية في الفضاء الإلكتروني، التي إذا ترجمناها على أرض الواقع فقد تتمظهر في مئات الآلاف من الأشخاص الراديكاليين الواعين للفساد والفقر ووجود الميليشيات، غير أنّها في الواقع الحي والمعيش ليس لها أي وجود تقريباً. فكيف نستطيع أن نترجمها على أرض الواقع، حيث الوجود الحقيقي للقمع والسلطة؟
كناشطين وراديكاليين أو مناصرين في لبنان، نعيش في مأزق التغيير العالمي. فالعالم حولنا يتغيّر: حكومات تسقط ومجتمعات تستيقظ وترى الرأسمالية على حقيقتها. أناس مثلنا، حين فقدوا امتيازات الوظائف والقدرة الاستهلاكية والشرائية، استطاعوا أن يروا «النظام» على حقيقته: اعمل واستهلك ونم. لم نفقد هذه الامتيازات حتى الآن، ونستطيع أن نشتري بالتقسيط كل شيء، والفائدة صفر أحياناً، فكيف نغيّر؟ كيف مثلاً نحتل «سوليدير»؟ ولماذا نحتلها؟ هل نريد «تأميمها» كمساكن شعبية؟ هل نعيد ممتلكاتها إلى أصحاب هذه الممتلكات؟ هل نحتلها إلى أن ننجح في تحقيق مطالبنا؟ ما هي مطالبنا؟ هل إذا تحرك العالم، نتحرك على وقعه؟ نلحق الإيقاع دون أن ندري ما هو؟ ماذا نفعل بالميليشيات وعقليات الميليشيات؟ كيف نقوم بأمر للصالح العام، دون أن ننتبه إلى أنّ العام هو مجموع المصالح الطائفية؟ هل نريد أن نسقط النظام الطائفي مجدداً؟


كل الأمور الشخصية هي أمور حتماً سياسية
لا أعلم الكثير عن الحلول، غير أنّي أفكر فيها، ودائماً من منطلق شخصي. أفكر في أنّي أدفع إيجار البيت ٣ مرات أكثر من السنة الماضية. أفكر في أنّ الذكورية التي أريد أن أتخلّص منها موجودة في علاقتي بنفسي، وبين أصدقائي وفي المجموعات التي أعمل فيها. أفكر في أنّ علاقات السلطة والهرمية موجودة في جميع المجموعات التي أتنمي إليها. أفكر في أنّ العنصرية موجودة في محيطي الشخصي. أفكر في أنّي لم أنجح في تغييرها في محيطي الشخصي وفي قراراتي الشخصية، وأني لن أستطيع أن أغيّرها عموماً، وهنا فعلاً يبدأ «التغيير».
أريد من جماعات الناشطين حولي أن تكون شخصية في مقارباتها السياسية. أن يسأل الذكور فيها أنفسهم عن مدى فهمهم لعلاقات القوّة الجندرية الموجودة داخل المجموعات تلك. أن يسأل اللبناني نفسه عمّا إذا كان دائماً يتكلم باسم غير اللبنانيين عن قضاياهم. أن نسأل أنفسنا كأفراد، إلى أي درجة نودّ أن نعيش التغيير الذي نطالب به؟ هل طلاب الجامعة الأميركية في بيروت يعون الامتيازات التي يتمتعون بها؟ هل يعي الناشطون والناشطات أنّ هناك الكثير من الصمت تجاه «الأقليات الجنسية» في مجموعاتهم؟ هل نعي جميعاً كأفراد أنّنا في وقت لم تعد فيه قضايا «البيئة والطاقة» من الأمور الثانوية، وأنّنا فعلاً نعيش في قمة «أزمة الطاقة وبدء شحّ الموارد»؟ هل لدينا فعلاً تقنيات يدعم بها بعضنا بعضاً عاطفياً ومادياً، من دون أن يضطر أحد منا إلى القيام بأمور مؤذية بحق نفسه على صعيد فردي؟
لا أعلم الكثير، غير أنّي أعلم أنّ التغيير الشخصي هو تغيير العام. كلما كانت مجموعاتنا الناشطة آمنة لأفرادها، كانت جذورها أعمق، وقدرتها على المقاومة أكثر. لا أعلم الكثير عن الأمور، خصوصاً إلى أي مدى نحن نقديون في ممارساتنا السياسية والفنية والشخصية.

* من أغنية «إني منيح»، الحل رومنسي، مشروع ليلى، ٢٠١٠
** محررة موقع صوت النسوةwww.sawtalniswa.com