بين باب إدريس والخربة
أكتب هذا المقال علماً أنني لست متتبّعاً للفن و للمسلسلات على نحو مستمر، إلا أنه لفت نظري مسلسلان يُعرضان حالياً على الشاشة. المسلسل الأول لبناني، يحكي قصة أيام الانتداب الفرنسي. إنه باب إدريس، الذي أحببت متابعته، حيث إنه جديد من نوعه. لن أتكلم عن التمثيل والناحية الإنتاجية والفنية، إذ إنه لا خبرة لي في هذا المجال، ولا شك عندي في إبداع الفنانين اللبنانيين وقدرتهم، إلا أنني سأتحدث عما يقدمه هذا المسلسل. هل فعلاً هذا هو لبنان؟
غريب، إذ إنّ من يشاهد المسلسل يستنتج ويرى ما أراد المنتجون إظهاره على نحو لا يمكن أن يصدق. وأقصد الإخاء والمحبة بين المسلمين و المسيحيين. وليت الواقع كان هكذا، مع أنني لا أعتقد أن هناك مشكلة بين المسيحيين والمسلمين، ولا أقول إنه لم يكن هناك تعايش، إلا أنني متأكد أن التحريض الطائفي والتقسيم كانا كما هما اليوم.
أما مقاومة الفرنسيين، فلا أظن أنه كان هناك مقاومة فعلية، وإن كان ربما هناك بعض الوطنيين الحقيقيين، إلا أننا نعلم أن الاستقلال هو وهم لبناني لم يتحقق بعد، فخروج الفرنسيين كان بسبب عدم قدرتهم على تحمل تكاليف الاحتلال المباشر بعد الحرب العالمية الثانية. وقد أبقوا على تحكمهم وسلطتهم عبر الامتيازات، وعبر تسليم السلطة الى الإقطاعيين، الذين كانوا متحالفين مع الاحتلال الذي حافظ على مصالحهم، وأصبحوا في ليلة وضحاها أبطالاً للاستقلال في مسرحية كتبها وأخرجها الجنرال كاترو.
أما المقاومة، فلا، لم تكن حقيقية لأن معظم الشعب اللبناني كان مقسماً ومضلّلاً بالأفكار الطائفية التي تحافظ على مصالح الطبقات الإقطاعية في كل طائفة. وبقي الاحتلال وما زال. وهل يتخذ الاحتلال فقط شكلاً عسكرياً؟
أما في الخربة، وهو مسلسل سوري، فيظهر المشهد واقعياً، لا من حيث إتقان الممثلين لهجة المنطقة، ولا لأن هذا المجتمع الذي يصوره المسلسل ما زال موجوداً حالياً، بل لأنه ينقل واقع مجتمعاتنا المقسمة. فبين أبو قعقور وأبو مالحة كأنك ترى زعماء 8 و 14 آذار، فكما يتفق أبو نمر وأبو نايف على أن تبقى عائلاتهما متباعدة منقسمة بحجج وهمية للحفاظ على تسلطهما، هكذا هم فرقاء 8 و 14، هما يقوضان أي محاولة لجمع الشمل والتغيير من جانب مثقفي الخربة، ويظهرون لنا زعماء العائلتين كم أنهم متضررون من عودة المثقفين الى القرية، ويتمنون لو أنهم بقوا خارجها ليضمنوا ألا يهدد أحد سلطتهم. أليست هذه حالنا في لبنان؟ ألا يفرح زعماؤنا بهجرة الشباب والمثقفين ليبعدوا أي خطر بالتغيير؟ ألا يلهي كل زعيم أبناء طائفته بأوهام الوجود ومصلحة الطائفة غير آبهين بوجود الشعب في وطنه أو بإيجاد أدنى حقوقه.
ميسم بوذياب