حاولوا إطفاء الأنوار، أمس، في ميدان التحرير، فثمّة ما ينبغي القيام به في الظلام. على الدماء أن تسيل من دون أن يراها أحد. وعلى الصمت أن يسود من دون أن يسمعه أحد. ليست المرّة الأولى التي يتغذّى فيها النظام المصريّ من دماء شعبه. وليست المرّة الأولى التي يمارَس فيها العنف ضدّ المصريّين. الفارق هو أنّ السلطة حين تصبح عاريةً، يصبح عنفها عارياً. تماماً كما انتقلنا من القوانين الانتخابيّة المجحفة إلى التزوير الانتخابي، ومن الاستغلال الاقتصاديّ إلى النهب المنظّم، ها نحن ننتقل من اللباس الرسميّ للشرطة إلى البلطجيّة والخيول والجِمال والعصيّ والسكاكين والمولوتوف.
وكلّما نظر الرئيس إلى نفسه في المرآة ووجد أنّه يتحوّل أكثر فأكثر إلى مومياء محنّطة، سيزداد لجوؤه إلى العنف. وهو عنف لن توجَّه سهامه إلى المتظاهرين وحسب، بل إلى التاريخ المصري برمّته. والمحاولات المتكرّرة لحرق المتحف ونهبه تشهد على ذلك. فلا يتحمّل الرئيس وجوداً لمصر من دونه، ولا يتحمّل تاريخاً لمصر لا يمجّده. بدا ذلك هاجس حسني مبارك الأوّل في خطابه الليليّ أوّل من أمس. ولعلّ اللعبة الأشدّ خطورة تبدأ حين يقترح الفرد على نفسه مواجهة مع التاريخ.
انتقل مبارك إذاً من مرحلة الديكتاتوريّة إلى مرحلة الجنون. على أحد ما أن يوقفه عند حدّه. أن يتقدّم لينفّذ سيناريو زين العابدين بن علي مثلاً. يدخل إلى مكتب الرئيس ويبلغه: انتهت اللعبة، هذه تذكرة سفرك إلى المملكة العربية السعودية.
وفي الانتظار، يمكن الاستمتاع بمراقبة الناطقين باسم الإدارة الأميركيّة يكدّون عرقاً كلّما خرجوا للتحدّث أمام الصحافيّين. يستخدمون جميع أنواع العبارات التي تعني الشيء ونقيضه، والتي تسير على حبال الكلمات الحذرة. لكنّ الموقف تحوّل فكاهياً أخيراً. فوزيرة الخارجيّة هيلاري كلينتون طالبت بمحاسبة المسؤولين عن العنف.
ربّما كان الصمت الأميركي أجدى. فقد أعاد الشعبان التونسيّ والمصريّ تذكيرنا بأنّ الديموقراطيّة تحقّقها انتفاضات الشعوب. والمتظاهرون المصريّون يعرفون كيف يوقفون جنون مبارك. فرغم كلّ شيء، ما زالوا صامدين في ميدان التحرير وفي ميادين أخرى. وأصواتهم بدأت تملأ العالم العربي، «من مستنقع الشرق إلى شرق جديد».
7 تعليق
التعليقات
-
يجب على الشباب المصري أختياريجب على الشباب المصري أختيار حكومة من خلالهم اليوم وتسميتها بحكومة مؤقتة لتسير الوضع الداخلي
-
أصبت كبد الحقيقة سلمت يمينكأصبت كبد الحقيقة سلمت يمينك
-
دكتورا في الغباء !عنيد فعلا هو الطاغية الهرم المنتقل إلى لعنة ربه قريبا إن شاء الله. شعبه يحتقره بعد أن كان يكرهه وسيده في العلن يعنفه وفي السر يعيره! حاشيته ضاقت به زرعا لكنها تنافقه وفن هابط ساقط وإعلام مزور كاذب وبلطجي مجرم سارق على ظهر جمل وبغل ينصره ! وحليفه الوحيد الباقي على حبه في تل أبيب يرثيه وينعاه ويندبه ! ألا يستحي وزير الدفاع ورئيس الأركان وقائد القوات البحرية في الجيش المصري من منظر الأمس ؟! كم هدية يلزم أن يعطوها للمسؤولين الأمريكيين بعد لينالو الرضى؟! لأنه لا يبدو أن أوان الفضة واساور الألماس كافية ! يا جيش مصر الأبي الشجاع,لا تحتاج شهادة من أحد لأنك برهنت عن شجاعتك في الميدان ضد العدو الصهيوني في مشهد العبور المحفور في قلب وذاكرة كل عربي ومسلم,لكن أتعتقد أن شهداء هذا العبور يرضون بما يفعله قائدكم الأعلى حليف وحبيب بن أليعازر ونتنياهو ,أليس الكثير ممن يقتلون ويجرحون وينكل بهم على يد البلطجية في ساحة التحرير هم أولاد وأحفاد من عبرو معكم ! أهكذا يكون الوفاء لهم ؟! يا شباب مصر اعطيتم المثل في الحضارة والتضحية,فاصبرو واثبتو وما النصر إلا من عند الله العزيز الجبار,ناصر المظلومين وقاسم الجبارين وهو حسب من توكل عليه,وهو نعم الوكيل.
-
يعبرون الجسر ... الى مصر الحريةلآ يا استاذ خالد, لا يجب ان يكافأ هذا الطاغية بخروجه سالما من مصر بعدما اسال دم شعبه ونهب ثرواته واذله. لا, إن جزاء هؤلاء الطغاة المشنقة,عبرة لكل من تجرأ على شعبه وتطاول على كرامته. الف تحية الى كل من صرخ في وجه الطاغية وكل من اسال نقطة دم لا بل عرق في وجه من حاول إذلاله.
-
تعقيبيدخل إلى مكتب الرئيس ويبلغه: انتهت اللعبة، هذه قبلة وداعك.... Bang Bang ، لعلها أقرب من التذكرة.
-
قبل اسابيع قليله ما كنت اتخيلقبل اسابيع قليله ما كنت اتخيل انني قد انطقها (من القرف من رائحة الاموات) ولكني الان اصرخ بها من كل كياني تحيا مصر تحيا مصر الله اكبر فوق كيد المعتدي
-
صدق هيكلالحقيقة أن معركة الرئيس حسني مبارك الآن هي محاولة استرداد السلطة، لأنه بالفعل ومنذ سنوات كان قد تنازل عنها لابنه. لقد جرى التعامل مع السلطة كما لو أنها ملكية خاصة. ومنذ سنوات ترك المالك أموره لابنه في القاهرة، وجلس هو بعيداً يستريح وينعم بالشيخوخة في آخر العمر، وفي خياله ان ابنه سوف يحول «الدكان» إلى «سوبر ماركت» حديث، مستعيناً ببعض الأعوان الجدد من أصدقائه. والصور كلها تبدو وكأنها مشهد من قصة لـ«نجيب محفوظ». كأن «سي السيد» في رواية «نجيب محفوظ» وقد ترك «المحل» لابنه وأصحابه، وانصرف إلى حياته ليعتني بصحته، ويسافر هنا وهناك، ويتسامر ويحكي الحكايات، ويلقي بالنكات مع هذا وذاك، حتى فاجأه من يخبره بأن المحل أفلس، وأن الدائنين أطبقوا عليه، وأن البنوك تطالبه بمستحقاتها، وأن ممتلكاته وأرصدته جرى الحجز عليها، فإذا هو يعود مهرولاً ليكتشف أن الذي يتعامل معه بمنطق المالك وموظفيه وعُماله هو في حقيقة أمره وطن، وأن هذا الوطن له شعب، وأن هذا الشعب يتجدد أجيالاً وأجيالاً، وأن هناك الآن جيلاً جديداً خرج يطلب الحق في الحرية والحياة، والكرامة والعدل.