في الحيادية
يرفض بعض السياسيين حكومة حيادية أو حكومة تكنوقراط، بذريعة أن الحيادية غير موجودة وأن كل الناس مسيّسون.
أني أعتبر أن هذا الكلام غير دقيق، أو يستند إلى وجهة نظر معيّنة. فإذا كان المقصود أن كل مَن يتعاطى الشأن السياسي هو بالضرورة من فريقي 8 و14 آذار، وأن كل لبناني سيدلي بصوته في الانتخابات النيابية عليه أن يختار فقط بين لوائح 8 و14، فإن وجهة النظر هذه صحيحة! وهذا ما سمعناه أخيراً على لسان السيد حسن نصر الله، والرئيس ميشال عون والوزير السابق سليمان فرنجية.
أما إذا كان المقصود أن كل مَن يتعاطى بالشأن العام يجب عليه أن يكون من فريقي النزاع الظاهرين على الساحة السياسية، فهذه مسألة فيها نظر. ذلك أن الحكم في لبنان ليس أحادياً، وليس حتى نظام الحزبين، هذا إذا اعتبرنا مكوّنات 8 و14 نواة حزب، علماً أن الرئيس عون يقول إنه ليس من فريق 8، وأن 14 يكاد أن لا يبقى منه سوى الاسم فقط.
والحيادية ليست الوسطية، لأن الوسطية لا تعرف أيّ خيار تأخذ في انتمائها لهذا الفريق أو ذاك، أو هي تنتظر الوقت المناسب بحسب مصالحها، لتأخذ خيارها مع فريق ضد آخر، وغالباً أيضاً ما تكون رمادية لا طعم لها ولا رائحة، لا رأي لها ولا موقف. والوسطية لا يمكن أن تلتقي بالحيادية، لأنها وكما يقال بالعامية «رِجْل في البور ورجل في الفلاحة»، وهي لا يمكن أن يكون لها حضور شعبي أو نخبوي لأن لا حجّة لها سوى «تبويس اللحى»، وهي لا يمكن أن تؤسس لحالة شعبية تحدِث التغيير.
وقد يكون هذا ما يقصده السيد نصر الله والرئيس عون والوزير فرنجية.
والأرجح أنهم لا يحبذون السياسيين الملونين، باستثناء أولئك الذين تأخذهم مصالحهم مباشرة إلى خيار آخر، فينتقلون عندئذٍ من الوسطية التي نادوا بها إلى الانكباب ضمن 8 أو 14 بكل ثقلهم وبكل ماضيهم وبكل قناعاتهم المقلوبة. والأنكى أيضاً حين يكون الانقلاب مباشرة من فريق إلى آخر، دون المرور بالوسطية، وعادةً ما يكون في سياق مصلحة لم تؤمّن لهم، أو مركز لم يحصلوا عليه، أو نيابة أو وزارة لم يدعوا إليها. والأمثلة كثيرة، والأبطال عديدون عند فريقي 8 و14 آذار!
أما الحيادية، فهي مدرسة سياسية بحدّ ذاتها، عندما يتعلق الأمر باستقلال وديمومة لبنان، وهي عنوان عريض تتكسّر على صخوره كل السياسات التي تتبع مصالح إقليمية أو دولية. هي تجمع كل من يؤمن بمصلحة لبنان أولاً فيتأنّى في خياراته الخارجية وفي رهاناته المستقبلية أو الطائفية وفي انحيازه إلى محور ضد آخر يمكن أن يعرّض استقرار لبنان واللبنانيين للخطر.
نديم نادر