شاهدنا بين 2008 و2011 تراجعاً في النمو الاقتصادي في لبنان من 9.3% الى 8.5%، ثم 8% و2% لكل من الأعوام الأربعة. وكان هذا النمو محصوراً في قطاعات محددة: المصارف، العقارات وقطاع البناء في بيروت واواسط جبل لبنان التي استقبلت الرساميل اللبنانية والعربية الهاربة من وطأة ومخاطر الأزمة المالية والاقتصادية في دول الغرب الأوروبي والولايات المتحدة.في المقابل، بقيت القطاعات والمناطق الأخرى خارج هذه الظاهرة لاسباب عدة، اهمها السياسات الاقتصادية (من مالية ونقدية وتجارية وقطاعية) المتبعة في لبنان منذ عقدين، والمعروفة الأوصاف والنتائج والتي لا داعي الى تكرارها هنا.

وقد اتت التحركات الشعبية العربية منذ مطلع 2011 لتزيد من تأزم معظم القطاعات الاقتصادية اللبنانية وعلى رأسها السياحة والصناعة والزراعة والنقل البري والترانزيت والتجارة الخارجية (عدا ما ستؤدي إليه الأحداث التي تشهدها البلاد منذ ما يزيد على اسبوعين).
لذلك وجب القيام بتصور كيفية التخفيف والخروج من نتائج هذه الأزمات المتكررة والمتراكمة على كل من الصعيد الدولي والعربي واللبناني، والتي تساهم مع فوضى التخطيط التربوي في المجال الجامعي خصوصاً الى تهجير نصف متخرجي جامعاتنا سنوياً للعمل خارج لبنان، حارمة عائلاتهم ووطنهم من ثمار نتاجهم، بعد أن يكون الأهالي والدولة قد بذلوا الغالي والنفيس لتنشئتهم.
لذلك يجب طرح كيفية معالجة آثار الأزمات الاقتصادية العالمية والعربية وسوء الإدارة الاقتصادية منذ عشرين عاماً. الشرط الأول للمعالجة هو وعي واقعها واسبابها. وقد كتب الكثير عنها ولا داعي لتكرارها.
والشرط الثاني هو وضع وتنفيذ برنامج عمل لتحريك الاقتصاد الكلي ومختلف قطاعات الاقتصاد اللبناني في مختلف المناطق، وتوفير مستلزمات نموها من تسليف واسواق ورفع الإنتاجية والنوعية لتوفير فرص عمل اضافية للبنانيين المقيمين والعائدين من بلدان الاغتراب وزيادة مداخيل اللبنانيين المقيمين.
وعناصر هذا البرنامج هي ثلاثة:
العنصر الأول: اتخاذ رزمة من التدابير الشاملة والمتنوعة والمتكاملة لإعادة اطلاق ونمو الاقتصاد الوطني في لبنان. اهم هذه التدابير:
- تسهيل التسليف المصرفي من خلال خفض تدريجي للفوائد، وهذا ميسر بسبب الانخفاض العالمي للفوائد، وزيادة طاقات وأقنية التسليف المدعوم كالقروض المكفولة من شركة «كفالات» بنحو كبير. كذلك التأكد من حسن استعمال القروض المدعومة التي من المفترض ان تقدمها البنوك التجارية لقطاعات السياحة والصناعة والزراعة والتكنولوجيا، وتنفيذ قانون انشاء وتشغيل مصرف التسليف الزراعي.
- توسيع السوق اللبنانية امام الإنتاج اللبناني من خلال حمايته، وذلك عبر التطبيق الفعلي للاتفاقات التجارية، مع التأكد من معاملة الدول الأخرى لإنتاجها بالمثل. وكذلك العمل لتفعيل بنود هذه الاتفاقات التي تسمح للبنان بحماية انتاج فرع من قطاع معيّن، اذا كان هذا الفرع سيتعرض لضرر فادح من خلال ادخال البضائع الأجنبية بلا قيود (clauses de sauvegarde). وهذه التدابير يجب ان تطبق على «اتفاق الشراكة الأورو-متوسطية» واتفاق انشاء «المنطقة العربية الكبرى للتجارة الحرة»، والاتفاقات الاقتصادية الثنائية التي تتضمن بنوداً مضرة للإنتاج اللبناني. أضف الى ذلك انّ على الدولة ان تطبق قانون مكافحة الإغراق وان تحدّثه ليتماشى مع واقع الإغراق الحالي. كذلك على الدولة ان تتشدد في مكافحة التهريب الى لبنان بكل اشكاله، براً وبحراً وجواً، بواسطة الضابطة الجمركية التي يجب ان تعزز وبمساعدة كافة القوى الأمنية من امن داخلي وامن عام وامن دولة والجيش اللبناني. وعلى الدولة ان تدخل فوراً في مفاوضات لتعديل البنود المجحفة بالنسبة إلى لبنان في الاتفاقات ذات الطابع الاقتصادي، المعقودة مع سائر الدول ومجموعات الدول. كذلك يجب تطبيق قانون تفضيل البضائع اللبنانية في مشتريات الدولة بنحو صارم.
- توسيع الأسواق الخارجية امام الإنتاج اللبناني من خلال دعم الصادرات ومساعدة المنتجين على التصدير ونقل نتاجهم الى الأسواق الخارجية بشكل منظم وقليل الكلفة، وتطوير الأسطول التجاري اللبناني لهذا الهدف ايضاً، ومصادر التسليف لذلك متوافرة في لبنان وكذلك اسعار البواخر متدنية بسبب الأزمة العالمية. كذلك تعيين ملحقين تجاريين في عدد كبير من الدول التي تشكل اسواقاً حالية للإنتاج اللبناني واسواقاً محتملة. ودعم البعثات التجارية الخاصة اللبنانية الى الخارج الهادفة للترويج للإنتاج اللبناني والمشاركة في المعارض، والعمل على حث الجاليات اللبنانية في الخارج وتجارها على تسويق البضائع اللبنانية في بلدان الانتشار.
- العمل على خفض كلفة الإنتاج اللبناني من خلال خفض كلفة التمويل (الفوائد) والاتصالات الهاتفية والأرض والطاقة، من خلال تطوير انتاج الكهرباء على الغاز المتوفر في لبنان بعد سنوات قليلة، وتطوير مصادر اخرى للطاقات المتجددة كالطاقة الكهرمائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، إذ تكون هذه الأنواع من الطاقة اقل كلفة. كذلك العمل على انشاء وتطوير مناطق صناعية في المدن والبلدات في سائر الأقضية اللبنانية، إذ إن كلفة الأرض اقل منها في بيروت واواسط جبل لبنان، حيث تتمركز الصناعة حالياً. وتأمين كل مستلزمات العمل الصناعي فيها من مبان وطرق وبنية تحتية (كهرباء، مياه، مجارير، صرف صحي، شبكة اتصالات، مراكز تدريب، فروع للمصارف، صالات عرض، الخ...). ويستطيع القطاع الخاص القيام بذلك، كما هو حاصل في عدد من المناطق اللبنانية. وستساهم هذه المناطق الصناعية في خفض كلفة الإنتاج الصناعي ايضاً بسبب مستوى الأجور الأدنى في الأرياف حيث كلفة المعيشة اقل منها في بيروت الكبرى لأسباب عديدة (منها توفر السكن والمدارس والاستشفاء العام).
- العمل على تحسين انتاجية الاقتصاد اللبناني في مجالي انتاج السلع كما الخدمات، من خلال التدريب المهني واستخدام المهارات المكتسبة من قبل المهاجرين اللبنانيين العائدين، اثناء فترة عملهم في الخارج. وكذلك من خلال تشجيع المنتجين على استعمال اساليب انتاج حديثة اكثر فاعلية. وتمويل تحديث تجهيزاتهم بالقروض الميسرة المذكورة اعلاه.
- العمل على تحسين نوعية المنتجات اللبنانية من سلع وخدمات من خلال تفعيل المؤسسات الخاصة بذلك، كمعهد البحوث الصناعية ومؤسسة المقاييس والمواصفات ومؤسسة الأبحاث العلمية الزراعية والمؤسسة المماثلة في القطاعات الأخرى. وإشراك الجامعات الموجودة في لبنان في هذا الجهد عبر الكليات ومراكز الأبحاث والتدريب الموجودة لدى هذه الجامعات والتي يمكن ان تقدم خدمات استشارية وبحثية مفيدة. وسيساهم تحسين زيادة الإنتاجية والنوعية في جعل الإنتاج اللبناني اكثر تنافسية في لبنان والخارج.
- يجب تحسين شروط عمل ومداخيل القوى العاملة اللبنانية من عمال وموظفين وحرفيين ومزارعين، من خلال حمايتها من منافسة القوى العاملة غير اللبنانية بتطبيق المعاملة بالمثل مع الدولة المصدرة للقوى العاملة الى لبنان، في مجالات شروط الإقامة والعمل وتسجيل كل الأجراء في الضمان الاجتماعي، كما في توسيع نطاق التغطية الاجتماعية والصحية وضمان الشيخوخة وغيرها، لتضم الحرفيين والمزارعين وكل الفئات غير المشمولة بخدماته حالياً، كالعديد من المهن الحرة والعاملين على حسابهم. وسيساهم هذا في تحسين مداخيل القوى العاملة اللبنانية وتوسيع طاقتها الشرائية وقدراتها على الاستهلاك والتثمير، مما يوسع اسواق السلع الاستهلاكية والإنتاجية في لبنان. وفي ذلك مصلحة لكل القطاعات المنتجة للسلع والخدمات.
- تنفيذ فعلي لقانون مكافحة الاحتكار وتعديله اذا لزم الأمر من اجل تأمين منافسة حرة وشفافة هي مفقودة الآن في معظم النشاطات الاقتصادية تأميناً لخفض الأسعار وتسريع النمو الاقتصادي والإنتاج.
- التركيز على تطوير فروع الإنتاج التي للبنان فيها ميزة تنافسية وتفاضلية والتي تشتمل على قيمة مضافة مرتفعة كالزراعات البيولوجية وانتاج البذور والأدوية المنتجة من النباتات الطبية المتوافرة في البلاد والأبحاث والخدمات الطبية والشرائح العليا في صناعة النسيج والملبوسات (كإنتاج الملبوسات الـHaute couture وغيرها التي تتطلب ذوقاً فنياً رفيعاً) كذلك انتاج البرمجيات المعلوماتية والخدمات الهندسية والصناعات الثقافية كالطباعة والنشر والإعلام والإعلان والإنتاج السينمائي والتلفزيوني والموسيقي والغنائي والمسرحي، وكذلك نشاطات المحاسبة والتدقيق والنشاطات المالية المفيدة. أضف الى ذلك تطوير الفروع المزدهرة حالياً كانتاج المجوهرات والآلات والمصنوعات المعدنية والآلات الميكانيكية والتجهيزات الكهربائية الأخرى والمأكولات الناتجة من تصنيع الإنتاج الزراعي اللبناني. واهم عنصر للميزة التنافسية والتفاضلية هو المستوى العالي للتعليم في لبنان وكذلك تنوعه المناخي والبيئي.
العنصر الثاني: اتخاذ رزمة من التدابير الآيلة الى تنمية اقليمية متوازنة تصحح الاختلال البنيوي للنمو الاقتصادي في لبنان لصالح بيروت الكبرى، حيث اصبحت كلفة الإنتاج والمعيشة بالغة الارتفاع. ومن اهم هذه التدابير:
- انشاء مجالس الأقضية المنتخبة والمقررة في اتفاقية الوفاق الوطني في الطائف، لتأمين اللامركزية الإدارية الموسعة واللامركزية الإنمائية. على ان تشرف هذه المجالس على جباية الرسوم والضرائب المحلية، وتنفقها على التجهيز والخدمات الأساسية في الأقضية.
- تقوية صلاحيات وامكانيات البلديات واتحاداتها في نطاق كل قضاء وانشاء لامركزية في المالية العامة لصالح هذه الاتحادات في المجالات الحالية لصلاحيتها، كذلك في مجالات تمويل نفقات التعليم الابتدائي والصحة والحماية الاجتماعية، ليستطيع المواطنون مراقبة استعمال هذه الأموال العامة.
- انشاء اقطاب للتنمية الإقليمية المتكاملة في عواصم المحافظات والأقضية والبلدات الكبرى: يمكن ان تتضمن مناطق سياحية، مناطق صناعية، مناطق تجارية، مراكز ادارية تقرب الإدارة العامة من المواطنين، على ان تشمل كل هذه الأقطاب مراكز وتجهيزات للنشاطات الثقافية والترفيهية لجذب الشباب والفئات المثقفة.
- تطوير نقل مشترك سريع من خلال تأهيل وتشغيل شبكة السكك الحديدية الساحلية ونحو الداخل لنقل الركاب بنحو سريع ومريح تأميناً للفصل، حيث يمكن، بين مراكز العمل ومراكز السكن لتأمين سكن وعمل دائم في الريف... وكذلك وسائل نقل مشترك (باصات وغيرها) فعالة من القرى والبلدات نحو محطات السكك الحديدية.
- رزمة من الحوافز الضريبية والمالية للمؤسسات والأفراد الذين يؤسسون مشاريع اقتصادية في مناطق الأطراف (اطراف جبل لبنان، الشمال، البقاع والجنوب) من خلال اعفاءات ضريبية فعلية وفي مجال الفوائد على القروض ودعم التدريب المهني وغيرها.
العنصر الثالث: هو اتخاذ رزمة من التدابير الآيلة الى تنمية القطاعات والفروع الإنتاجية التي تتضمن طاقات للنمو وخلق فرص عمل فعلية.
- في مجال التكنولوجيا: انشاء مناطق تكنولوجية (technopoles) حول الجامعات الموجودة في كل المناطق اللبنانية تتفاعل فيها نشاطات البحث العلمي والتكنولوجي مع التعليم العالي ومع شركات الإنتاج السلعي والخدماتي في حقول التكنولوجيات المتقدمة. ولبنان مؤهل جداً لهذه النشاطات في مجال المعلوماتية والاتصالات وتكنولوجيا الأحياء وغيرها، خاصة مع استفادته من عودة كفاءات عالية من ابنائه المغتربين وبسبب كثرة وتنوع جامعاته.
- مجال الصناعات الثقافية: اعادة احياء وانشاء مناطق للإنتاج السينمائي والتلفزيوني والموسيقي والغنائي على نسق cinecitta في ايطاليا وغيرها، تجمع التجهيزات ومستلزمات الإنتاج الأخرى. كذلك تطوير نشاطات الطباعة والنشر والإعلان والإعلام في مناطق متخصصة اذا لزم الأمر.
- تطوير السياحة من خلال تنويعها: لتشمل كل مناطق لبنان وكل مواسم السنة من صيف وشتاء وخريف وربيع، وتشمل السياحة الداخلية للبنانيين والسياح العرب والأجانب، والسياح ذوي الإمكانات المالية المتفاوتة، وذلك من خلال: تطوير السياحة البيتية (Bed and Breakfast) الى جانب السياحة في الفنادق والنزل والشقق المفروشة؛ تطوير السياحة الشتوية من خلال فتح محطات للتزلج في العديد من المناطق من عكار والضنية الى توسيع محطة الأرز واهدن واللقلوق وفاريا وصنين وجبل الكنيسة والباروك وكذلك في السلسلة الشرقية في جبل الشيخ وغيرها من المناطق لاستقطاب المتزلجين شتاء من عدة مناطق من الشرق الأوسط؛ تطوير السياحة البحرية خلال ستة اشهر ويتطلب ذلك تنظيف الشواطئ وتخفيف التلوث الى ادنى الدرجات من خلال معالجة النفايات الصلبة والمياه المبتذلة. وتأمين مسابح لجميع الفئات الاجتماعية مع نشاطات فيها كالتنزه بالقوارب والمراكب والغطس وغيرها؛ تطوير السياحة الثقافية من خلال تكثيف المهرجانات الفنية والثقافية على مدار السنة، صيفاً كمهرجانات بعلبك وبيت الدين وجبيل وصور وطرابلس، وشتاءاً كمهرجان بيت مري ومهرجانات اخرى يمكن ان تنظم في المدن السياحية كصيدا وجونية والبترون ومدن الداخل في الربيع والخريف كزحلة والنبطية وراشيا وغيرها؛ تطوير السياحة الدينية الى المزارات ودور العبادة الشهيرة التي يذخر بها لبنان بكل طوائفه ومناطقه، على ان تكون هذه السياحة محلية وخارجية؛ تطوير السياحة البيئية (EcoTourisme) في كل المناطق اللبنانية حيث حوفظ على الطبيعة الخلابة فيها ولتشجيعها على المحافظة على الطبيعة؛ تطوير السياحة الرياضية من خلال تنظيم نشاطات الرحلات مشياً على الأقدام والملاحة على الأنهر (الليطاني، العاصي، نهر ابراهيم، وغيرهم.... ) وتسلق الجبال؛ تنشيط السياحة الصحية التي تجمع حول مراكز الاستشفاء تجهيزات لسكن وراحة المريض وعائلته لبعض الوقت خلال مجيئه للاستشفاء في لبنان.
- تطوير القطاع الصناعي من خلال وقف تدهور الصناعات الموجودة والقابلة للحياة والتي دمرتها الحروب والسياسات العشوائية في العقود الأخيرة، وحماية هذه الصناعات ضمن الاتفاقات المعقودة وتطويرها ومنع اغراقها. وتطويرها على صعيدي الإنتاجية والجودة. كذلك تشجيع الصناعات في فروع بعضها جديدة نسبياً، ولبنان يتمتع فيها بميزة تفاضلية وتنافسية كصناعة المجوهرات والملبوسات الرفيعة الذوق، والمأكولات والصناعات الكهربائية والطباعة والبرمجيات والصناعة الكيمائية والصناعة الدوائية والصناعات الغذائية المبنية على الإنتاج الزراعي والحيواني اللبناني وغيرها. كذلك يجب تحسين انتاجية الصناعة من خلال خفض كلفة التمويل، تحسين تدريب القوى العاملة، المساعدة على تأمين الطاقة والأراضي والاتصالات والنقل بأسعار تنافسية، تطوير التقنيات الصناعية، وتسهيل التسويق داخلياً وخارجياً من خلال التدابير المذكورة اعلاه.
- تطوير القطاع الزراعي: وذلك من خلال العمل على ثلاثة محاور: السياسة الزراعية، تدابير لتحسين فاعلية عناصر الإنتاج وتفعيل وتطوير المؤسسات الزراعية. ويجب ان نتذكر أنّ 40% من الأراضي الزراعية غير مزروعة الآن، مما يشير بادئ ذي بدء الى امكانات فعلية لتوسيع نشاط هذا القطاع.
* السياسة الزراعية: يجب ان تؤمن تنافسية في الإنتاج الزراعي واستفادة المزارعين من تحسين الإنتاجية وتأمين شروط تنافس عادلة للمستثمرين الزارعيين في لبنان وذلك من خلال تسريع عمليات المساحة وتسجيل الأراضي الزراعية واصدار الصكوك؛ تشجيع عمليات ضم الأراضي تأميناً لحيازات زراعية اقل تفتتاً من وضعها الحالي؛ تحويل شروط العقود الزراعية لتمكين المستثمرين الزراعيين من الاستثمار في مشاريع وتدابير طويلة المدى، تحسن الإنتاجية والنوعية؛ تمييز الأراضي المعدة للبناء عن الأراضي الزراعية؛ اعادة النظر في سياسات دعم الإنتاج الزراعي من خلال رؤية استراتيجية عامة للتنويع الزراعي، ومنح الدعم بشروط تخدم اهدافاً محددة ومعلنة مسبقاً ومعممة لكل المستثمرين الزراعيين.؛ تطوير كل التدابير الآيلة الى تحفيز تنفيذ مشاريع زراعية خاصة؛ تحديث وتنفيذ تدابير حماية تجارية توفر على المنتجين المحليين آفات المنافسة غير المشروعة، خاصة بعد توقيع الاتفاقات الإقليمية كاتفاقية «منطقة التجارة الحرة العربية»، و«اتفاقية الشراكة الأورو- متوسطية» وعدد من الاتفاقيات الثنائية وآفاق الانضمام الى «منظمة التجارة العالمية»؛ انشاء صندوق للتأمين ضد المخاطر الطبيعية والكوارث الطبيعية للتخفيف من المخاطر المحيطة بالنشاط الزراعي، مما يخفف من نتائج الحوادث الطبيعية؛ التركيز على اختيار المزروعات والسلاسل (filières) الإنتاجية الزراعية ــ الغذائية الواجب تطويرها وتأمين الإمكانات لاختيارها وتنفيذ هذه الخيارات.
* تدابير لتحسين فاعلية عناصر الإنتاج والتسويق الزراعيين، ومنها اتخاذ المراسيم التنظيمية الآيلة الى إنشاء مصرف التسليف الزراعي وتشغيله، وتوسيع نظام القروض المصرفية التقليدية الى التسليف الصغير والشديد الصغر، واعادة تحريك الاتحاد الوطني للتسليف التعاوني، وتطوير انظمة الكفالة لدى شركة «كفالات» للتماشي مع حاجات القطاع الزراعي (القروض الصغيرة وتطويل فترات السماح)، وتطوير دراسات جدوى لملفات التسليف الزراعية؛ تحسين توافر المياه واداراتها واستعمالها ونوعيتها في اطار استراتيجية واضحة ومحددة من خلال تفعيل المشاريع الموجودة (كبناء السدود)، واصدار قانون خاص ينشئ جمعيات المستفيدين من مياه الري في كل مشروع ري؛ تطوير التسويق الزراعي بحو يزيد من مداخيل المنتجين من خلال اصلاح تنظيم اسواق الجملة وتشجيع الأسواق الشعبية حيث يبيع المنتج نتاجه للمستهلك او لتجار المفرق، ومساعدة المنتجين في مجالات التوضيب ومساعدة التصدير الزراعي والترويج للمنتوجات الزراعية اللبنانية في الخارج؛ اعادة الزام الدولة تأمين حاجات القطاع الزراعي في مجالات التعليم والتدريب والإرشاد بإشراف وزارة الزراعة مع التعاونيات والجمعيات المعنية، او اي شكل آخر من التنظيم المهني وتعميم نتائج ابحاث مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية.
* المؤسسات الزراعية. يجب تطوير المؤسسات المكلفة بالقطاع الزراعي لتأمين فاعلية السياسات ووسائل لتحسين فاعلية عناصر الإنتاج في القطاع الزراعي، وهذا يعني تطوير طاقات وزارة الزراعة لتمكينها من تنفيذ استراتيجية على المديين المتوسط والطويل للقطاع الزراعي، وذلك بالتنسيق مع الوزارات المعنية كوزارات الطاقة والمياه، الاقتصاد والتجارة، المال، البيئة وغيرها إذا قتضى الأمر؛ اعادة صياغة قانون التعاونيات للسماح لها بتأدية دورها لدعم المستثمرين الزراعيين؛ انشاء غرف للزراعة وتجهيزها بالطاقات البشرية المناسبة والموارد التي تسمح لها بالقيام بمهمتها؛ انشاء سجل زراعي للتعريف بالمزارعين وحيازاتهم وتسجيل المستثمرين على اساس مقاييس واضحة وتحديد المنافع من السجل الزراعي.
هذه هي التدابير الأساسية الآيلة الى تطوير القطاعات الأبرز والتي للبنان فيها ميزات تفاضلية وتنافسية: التكنولوجيا، السياحة، الصناعة والزراعة والتي يمكن مع غيرها من القطاعات ان تساعد لبنان على مواجهة انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية والأزمات العربية. يحصل ذلك من خلال خلق فرص عمل جديدة ومنع انهيار مستوى العمالة الحالي، ومن خلال زيادة مداخيل اللبنانيين وحسن اداء اقتصادهم، واستخدام طاقات كل مناطقه خدمة لسكانها خاصة، والوطن عامة.

خلاصة

الأزمة الاقتصادية العالمية والأزمات الاقتصادية العربية وسوء الإدارة الاقتصادية اللبنانية، يمكن ان تكون مضرة جداً للبنان كما هي الحالة الآن، فتزيد البطالة، تخفض المداخيل، وتزيد من الإفقار والتفاوت الاجتماعي والاضطراب الاجتماعي والسياسي. لكننا اذا احسنّا التصرف يمكن ان تتحول هذه الأزمات الى فرص لاستعادة قسم من مواطنينا المنتشرين في الخارج، وللاستفادة من طاقتهم من فنية وادارية وعلمية ومالية، ومن معرفتهم للعالم المعاصر المدُول؛ للقيام باصلاحات اقتصادية لا قوة لنا للقيام بها لولا ضغط هذه الأزمات وهي اصلاحات رأينا ضرورتها في العديد من القطاعات والمناطق وعلى الصعيد الوطني العام؛ للاستثمار الأفضل لطاقات وطننا البشرية والطبيعية ولكل مناطقه وقطاعاته. وهذا كله يتطلب وعي المشكلة وعقد العزيمة وامتلاك الإرادة والشجاعة السياسية للتخطيط والتنفيذ.
* اقتصادي ومؤرخ لبناني