قضايا المشرق | ربما كانت إحدى النتائج الإيجابية للأزمة السورية، أنها أيقظت التيار اليساري الوطني الاجتماعي (تمييزاً له عن اليساري الليبرالي) والقومي التقدمي (تمييزاً له عن القومي ـ الإسلامي)، وتلاقيهما في حراك واحد ينتصر للدولة الوطنية السورية في مواجهة أعدائها الذين انخرطوا في جبهة واحدة تضم، تحت مظلة الإمبريالية، الرجعية الخليجية الوهابية والإخوان المسلمين والسلفيين والليبراليين.
اللافت في هذا الحراك، أنّ حضوره الفلسطيني ضعيف نسبياً بالمقارنة مع القُطرين الشاميين الآخرين، لبنان والأردن. ما هي العوامل التي تلجم الساحة الفلسطينية عن الخروج من ثنائية فتح وحلفائها (التيار الوطني الليبرالي بتنويعاته) وحماس وحلفائها (التيار الإسلامي بتنويعاته)؟ هل يعود الأمر إلى أنّ هذا الانقسام الذي عرفته وتعرفه البلدان العربية الأخرى، قد استقر، فلسطينياً، في «سلطتين»؟ أم أننا بإزاء ظاهرة أكثر تعقيداً تتعلق بالظروف التي أصبحت شديدة التباين بين التجمعات الفلسطينية في الوطن والمهاجر؟
كان الفلسطينيون، تقليدياً، أكثر المساهمين العرب في الحركة القومية والتقدمية، ولطالما شكلوا رافعة جماهيرية لقوى هذه الحركة وثقافتها؟ ماذا حدث؟ وكيف؟ وما هي الفرص المتاحة لكي يستعيد التيار القومي ـ التقدمي، دوره الفاعل في الساحة الفلسطينية؟
الفلسطيني، اليوم، أمام خيار يكاد يكون مستحيلاً؛ فـ«فتح» ـ التي أظهرت، مجدداً، صلاتها بالروح المدنية العربية، ووقفت، عملياً، إلى جانب العاصمة القومية، دمشق، تذهب نحو المفاوضات مع الإسرائيليين، بينما «حماس» التي لا تزال تتحدث عن التحرير، تصطف في السياسة و«الجهاد» معاً، مع الغرب الاستعماري والرجعية العربية والعثمانية الجديدة، ضد بلد المقاومة، سوريا!
القوة الثالثة، المعوَّل عليها في كسر هذه الثنائية، تظل تتمثل في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لكن «الجبهة» تظل أسيرة لتحالفاتها الفلسطينية ربما الاضطرارية في السياسة اليومية، ما يلجمها عن القيام بدورها التنويري بالصورة المنتظرة منها. يبقى الأمل في المثقفين القوميين التقدميين في الساحة الفلسطينية، للقيام بجهود فكرية وسياسية معاً، لاستنهاض روح جديدة لتيار قومي ويساري يستلهم رؤى حركة التحرر الوطني العربية، ويشكل بديلاً تاريخياً في فلسطين.
وتحثّ «قضايا المشرق»، هؤلاء من فلسطين وخارجها، على المشاركة المثابرة في هذا الحوار، وتستقبل مساهماتهم، بشوق.