في أحد ايام حرب الإبادة الصليبية المشؤومة التي شنها المستعمرون الجدد برعاية ام الإرهاب اميركا على إخواننا في البوسنة والهرسك، وكانت القذائف تتساقط على سراييفو، وقف المرحوم عزت بيغوفيتش اثناء مؤتمر صحافي وسط العاصمة المنكوبة واهلها ليشير بيده الى ممثل لقائد الثورة الاسلامية الايرانية يقف الى جانبه، ويومها كان الدكتور علي اكبر ولايتي وزير خارجية طهران، ليقول: «لولا هذا الرجل لما كان بلدي اليوم على الخريطة».
في هذه الاثناء، كانت السلطات التركية يومها قد أوقفت باخرة ايرانية محملة بأنواع من الأسلحة متوجهة الى سراييفو.
على الجانب الاخر من الصورة كانت المئات من الكوادر الايرانية إما قد استشهدت في البحر او في البر البوسني، او اعتقلت في سجون دول متعددة وهي في طريقها للدفاع عن اهم معقل اسلامي في قلب اوروبا اراد الغرب ان يبيد اهله ويمحوه من الخريطة، محاولا تكرار مأساة فلسطينية جديدة.
كل ذلك فعلته ايران من اجل ان لا يُمحى ذكر الله في بقعة عزيزة على قلوب المسلمين قاطبة في العالم.
بدرجة اقوى وبنشاط وفعالية مضاعفة وبعدد اكبر من الشهداء والجرحى والمعوقين والسجناء، وبميزانية توازي ميزانيات بعض الدول العربية، قامت ايران بتقديمها راضية مرضية وطوعا لا كرها وعلى حساب امنها القومي من اجل فلسطين كل فلسطين منذ اول يوم انتصرت فيه الثورة الاسلامية حتى هذه اللحظة، ولسان حال قادتها يقول: اللهم تقبل منا هذا القربان لترضى عنا ولا غير.
الامر نفسه حصل مع كوادر وشباب وانصار حزب الله اللبناني من سراييفو الى غزة والتاريخ عندما سيكتبه الغالبون باذن الله سيفاجأ العالم من هم حزب الله ومن هم حزب الشيطان.
نحن وحزب الله اللبناني لم نخدع احدا يوما، ولا دعوناه الى ميدان «شبهة». ولم نفكر يوما في جنس الذين ندافع عنهم او العرق الذي ينتمون اليه او المذهب الفقهي او الفكري الذي يحملونه، اللهم الا لانهم قالوا ربنا الله ثم استقاموا، او اخرجوا من ديارهم من دون حق، وقد امرنا الله بنصرتهم وامره مطاع ولو كره الكافرون.
في عصر عراق صدام حسين، قتل لنا مئات الآلاف ظلما وعدوانا طوال حرب الثماني سنوات الكونية المفروضة على الشعبين العراقي والايراني، ومثلهم من المعوقين وجرحى الكيميائي، الذين لا يزالون حتى الان يعانون الامرين في مسشفيات البلاد، ومع ذلك، عندما علمنا ومن مصادر متطابقة عربية اولاً، ومن ثم غربية ان العالم كله، وفي مقدمته العرب الأقربون، أعطى الضوء الاخضر للروم وابن الاصفر الجديد بوش الابن، وزبانيته، لغزو العراق، قدمنا مقترحا لجلوس المعارضة العراقية مع صدام حسين الى طاولة حوارية لمنع سفك الدم العربي والمسلم، ولمنع ذلك الغزو المشؤوم، وكذلك فعل يومها الزعيم العربي الهاشمي الطالبي الطاهر السيد حسن نصر الله، عندما عرض ما سمي يومها طائفاً عراقياً. ماذا كان رد العرب مجتمعين من مصر حسني مبارك الى اقرب نقطة تماس مع عراق الرشيد؟ ما خلا سوريا الاسد، أجابنا الجميع: ان أميركا قدرنا الذي لا يمكن ان نخرج عليه، وما عليكم الا السير في ركاب هذا الغزو الذي سيأتي بالخير للامة.
قد يقول قائل هنا إن هذا مكر ودهاء ايرانيان لحماية مصالح دولة «أقلية مذهبية» تعيش في بحر اكثرية «من مذهب آخر» تسعى إلى النووي. حسناً، فليفسر لي القائلون بهذا ماذا كانت مصلحة ملهم هذه الثورة وقائدها وزعيمها عندما كان في النجف الاشرف في اواخر الستينات، وهو معزول عن العالم، ليفتي بواجب تقديم المال والنفس لثورة محاصرة من كافة الانظمة العربية وقتها، وتعيش مطاردة مثله ويسجن قادتها في اي عاصمة دخلوها، بل ويفتي بحلية القتال في صفوف حركة فتح بقيادة ياسر عرفات، وهو الامر الذي كان فيه اجماع لدى مرجعيات الحركات والمؤسسات الدينية السنية والشيعية على حد سواء على عدم جوازه، باعتبار ان القيادة المذكورة لم تكن القيادة الصالحة، فضلا عن كونها ليست الاصلح. يومها لم تكن هناك اي مصلحة مادية، لا حكومية ولا شعبية ولا مذهبية ولا فئوية ولا حتى شخصية لدى المرجع الديني صاحب الفتوى، بل إنها مثلت ضرراً قطعيا له على كل الاصعدة اعلاه، ومع ذلك فعل.
فما السر في ذلك؟ هذا ما لم ولن يفهمه اهل الدنيا الزائلة، كما قال عنهم سيد المقاومة في مشغرة، لكنّ إمامنا الراحل كان واضحا منذ اليوم الاول: لقد قمت من اجل احياء الدين وتحرير فلسطين، وفي ذلك تفصيل طويل لا تتسع مقالتنا الحالية لشرحه.
فمن يكون يا شيخنا الجليل قد خدع من؟ نحن الذين خدعناك عندما دعوناك إلى اقامة الدين وتحرير فلسطين مهما تكن الاثمان؟ ام انت الذي خدعت عموم المسلمين وهيئة علمائهم، عندما محصت بالبلاء والاختبار وفضلت ان تصبح فقيهاً للناتو وقاعدة السيلية في وقت يقترب فيه اذان الفجر معلناً قرب موعد الانتصار على اليهود واسيادهم الاميركيين؟
سؤال نضعه برسم شيخنا القرضاوي الجليل، الذي يدعو المسلمين للدفاع عن اسرائيل واميركا والتكفيريين الذين اجتمعوا على الامة في القصير، بوجه الذين يريدون منع الفتنة ووقف زحف الروم وابن الاصفر تمهيدا لتحرير فلسطين، كل فلسطين من النهر الى البحر.
* كاتب إيراني