منذ بداية الأحداث في سوريا، اتخذ الفلسطينيون موقف الحياد مما يجري، سواءٌ في مرحلة الحراك السلمي، أو عندما اتخذ الصراع في سوريا المنحى المسلح.الوعي السياسي الفلسطيني الشعبي، ونتيجة لتجربته المريرة في الأردن أو لبنان، كان بوصلة الأمان التي حيّدت المخيّمات الفلسطينية في سوريا على نحو عام، ومخيّم اليرموك على نحو خاص، طيلة العام الماضي من الدخول في «المعادلة» السورية.
هذا الحياد لم يصمد طويلاً أمام إدراك طرفي الصراع في سوريا أهمية الورقة الفلسطينية، المتمثّلة في الخبرة السياسية والعسكرية الطويلة في صراع الفلسطينيين مع العدو الإسرائيلي.

ومن هنا بدأ النظام، من خلال حلفائه التاريخيين، بالعمل على تحريك أصابعه داخل الحالة الفلسطينية، التي تمثلت منذ نصف عام بتأليف ما يسمى اللجان الشعبية، بحجة حماية المخيمات من العصابات المسلحة.
بدورها، نظرت المعارضة إلى هذا الخزّان الفلسطيني على أنّه قد يقلب المعادلات إذا ما دخل في أتون هذا الصراع، فكانت البداية بإنشاء التنسيقيات داخل المخيّمات ودعمها.
إلّا أنّ المزاج العام الفلسطيني كان ضد الدخول في هذا الصراع، على الأقل جغرافياً، واكتفت الحالة الجمعية الفلسطينية بأن تكون حاضنة انسانية لجميع السوريين، كأنها تقول نحن لسوريا... كلّ سوريا.
ومع دخول المعارضة المسلحة إلى كلّ المناطق المحيطة بالمخيمات الفلسطينية، وازدياد وتيرة العمل العسكري والأمني للنظام، بدأت المخيّمات تفقد حياديتها مجبرة.
فبدأ النظام بالقصف العشوائي على المخيّمات، وكانت البداية في مخيّم الرمل في اللاذقية، ثمّ امتدّ القصف ليشمل جميع المخيّمات بلا استثناء، وكان آخرها مخيّم اليرموك، الذي وللتذكير تعرّض للقصف قبل دخول (الجيش الحر) إليه، وما تلاه من أحداث الشهر الماضي، التي كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير. وكانت المصادفة غير المتوقعة أنّه بعد أيام عديدة استطاع الجيش الحر دخول المخيّم وضمّ غالبية اللجان الشعبية المسلحة إلى صفوفه، ومثّل ذلك ضربة قاسية للنظام على أكثر من صعيد.
الصعيد الأول يتمثّل في خسارته العسكرية لمنطقة جغرافية مهمة، لا تبتعد عن مركز المدينة سوى 7 كم. وبالتالي تسمح للمعارضة المسلحة بأن تجد لها ثغرة باتجاه قلب العاصمة نحو الأحياء والشوارع ذات الطابع الشعبي في حيّ الميدان، وإذا ما استحضرنا المعركة المسلحة، التي دامت أكثر من أسبوع في هذا الحيّ منذ أشهر، التي دارت بين الجيش النظامي ومجموعة صغيرة لا تتعدى الثلاثين مسلحاً، نستطيع أن نفهم تماماً صعوبة خوض معارك أكبر مع مجموعات أكثر تنظيماً في العدة والعتاد في المرحلة المقبلة.
ثانياً: سياسياً، إنّ تصوير الإعلام للحالة الفلسطينية في مخيم اليرموك على أنها ضد النظام، وانقلاب أكثر من 500 مسلح من اللجان الشعببية على النظام، أدّى الى اضعاف ورقته التاريخية التي ينادي بها، من ناحية دعم القضية الفلسطينية واعتبارها القضية المركزية.
فبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر من القصف العشوائي على المخيّمات، وفي ظلّ غياب المعارضة المسلحة عن هذه المناطق، كان سؤال الناس شرعياً: ما فائدة بقائنا حياديين إذاً؟

اليرموك والمعارضة المسلحة

بعد دخول المعارضة المسلحة إلى مخيّم اليرموك وتهجير غالبية أهله، ظهرت مأساة جديدة، تمثّلت في عدم وضوح استراتيجية الجيش الحر تجاه ما سميّ معركة دمشق، لذا ظهرت مجموعة أسئلة لدى أبناء المخيّم: ما فائدة دخولكم إلى المخيّم وتهجيركم أكثر من نصف مليون إنسان إذا كنتم لا تريدون الاستمرار في خوض المعركة؟
وهل الموضوع مرتبط حقاً بمعركة دمشق؟ وهل المقصود حقاً ضرب تنظيم «القيادة العامة» واللجان الشعبية، بحجة أنّها أذرع أمنية للنظام، أم الموضوع مرتبط بالغنائم المتوافرة في المخيّم؟
هذه الأسئلة لم تأتِ من فراغ، إذا ما تحدثنا عن حالة المخيّم بعد دخول المعارضة المسلحة إليه. أمنياً، وفق القانون الدولي، تقع مسؤولية حماية المخيّمات على هيئة الأمم المتحدة، من خلال التنسيق مع الدولة المضيفة. وبما أنّ النظام فقد سيطرته على معظم المخيّمات الفلسطينية لمصلحة المعارضة المسلحة، أصبح من المنطقيّ أن تنتقل هذه المسؤولية إليها، وأن يتحمل الجيش الحر مسؤولياته تجاه حماية المخيمات، بما أنه يطرح نفسه كسلطة بديلة، لكن ماذا حدث؟
انتشرت سرقات البيوت، والمحال التجارية، والسيارات، إذ جرت سرقة أكثر من مئة سيارة خاصة في الأيام الأولى لدخوله المخيم، إلى جانب الكثير من البيوت والمحال التجارية، وانتشار فوضى السلاح... هذا ما حدث فعلاً.
ولا نبالغ إذا قلنا إنّ بعض مجموعات المعارضة المسلحة شاركت في هذا الوضع الأمني السيّئ.
كل ذلكّ، ترافق مع استمرار القصف والقنص العشوائي للمدنيين الذين لم يغادروا المخيم، إضافة إلى حالات الخطف اليومية التي يمارسها كلّ من النظام والمعارضة المسلحة ضدّ أبناء المخيّم.
إنسانياً: قلنا سابقاً إنّ مسؤولية المخيّمات أصبحت تابعة للمعارضة المسلحة، وبالتالي تقع على هذه الأخيرة مسؤولية تأمين ما يلزم من احتياجات يومية أساسية على
الأقل.
المعارضة تهربت من مسؤولياتها تجاه هذه المسألة، حتى إنها مارست نوعاً من «التشبيح» في بعض الحالات. ونورد مثالاً بسيطاً هنا: هناك مستودع أغذية في منطقة عقربة القريبة من بلدة يلدا، وهذا المستودع تابع لإحدى الهيئات الإغاثية الناشطة في المخيم، وعندما طلبت هذه الهيئة من إحدى كتائب الجيش الحر المساعدة على نقلها إلى المخيّم، طلبت هذه الكتيبة 200 سلة غذائية في المقابل.
لماذا يتم تأمين الطحين والمحروقات لمنطقة الحجر الأسود ويلدا، وهما تحت سيطرة المعارضة المسلحة، ويترك المخيم لمواجهة الموت البطيء والقتل على حواجز النظام المنتشرة على مداخل المخيم أثناء إدخال المواد الغذائية... هذا سؤال إضافيّ!
النظام يحاصر المخيّم، ويمنع ادخال المواد الغذائية بحجة أنّها لمصلحة المعارضة المسلحة، وإذا وافق مسؤول الحاجز على مرور أيّ مواد، يطلب المال أو حصة في المقابل.
والأسوأ من ذلك، هو أداء القيادة الفلسطينية، وخصوصاً منظمة التحرير، التي تركت الشعب الفلسطيني في مهب الريح. والخوف اليوم أن تقتنع هذه الفصائل بأنّ مشكلة المخيمات، وتحديداً اليرموك، أصبحت جزءاً من المشكلة السورية، ولن تُحلّ إلا بانتهاء الأزمة السورية.
في ظل هذه الظروف، أليس من الأَولى أن نعود إلى هيئة الأمم المتحدة، المسؤول الأساسي عن حماية المخيّمات؟
* كاتب فلسطيني