شهدت بدايات الحراك السلمي في سوريا تساؤلات عن موقف فلسطينيّي مخيمات سوريا من المطالب المعلنة، وحكمت مشروعية التساؤلات اعتبارات التاريخ والجغرافيا، التي لم تفصل الفلسطيني يوماً عن السوري، واعتبارات الدور الذي يؤديه اللاجئ الفلسطيني في بلد أعطاه، منذ منتصف الخمسينيات، حقوقاً كاملة باعتباره «فلسطينياً بحكم السوري».
وبحكم التمازج الكامل بين السوريين والفلسطينيين اجتماعياً واقتصادياً وقرابياً، انخرط الفلسطينيون على نحو طبيعي في هذا الحراك، وانحازت غالبيتهم إلى مطالب الشعب السوري، رافعين شعار «فلسطيني سوري واحد»، لكنهم، مع ما يمتلكون من تجربة قاسية وتاريخ مرير مع الأنظمة العربية، وكذللك بسبب تشعبات الوضع السياسي الإقليمي والدولي وتأثيراته في مجمل قضية اللاجئين الفلسطينيين، فضّل الفلسطينيون في سوريا أن يؤدوا دوراً إغاثياً اجتماعياً واقتصادياً يستفيد منه منكوبو المناطق السورية المجاورة لمخيمات اللاجئين في سوريا، وقد أدى مخيّم اليرموك الدور الأبرز في هذا المجال.
اختار أهالي مخيّم اليرموك دوراً انسانياً بابتعادهم عن الحالة المسلحة التي نشأت، وفضلوا تحويل مخيّمهم إلى ملاذ آمن للنازحين من أحياء التضامن، ويلدا، والحجر الأسود، والميدان، وأدّت الهيئات الأهلية وتجمعات الشبان المستقلين سياسياً دوراً مهماً في هذا الجهد الإغاثي وتحوّل مخيّم اليرموك، كما المخيمات الأخرى، إلى رئة يتنفس منها السوريون الذين وقعوا تحت وطأة ظروف التهجير من منازلهم.
وبالرغم من انخراط بعض الفلسطينيين في الحالة المسلحة، إلّا أنهم لم يمثلوا الرؤيا الفلسطينيه الشعبية والفصائلية العامة، حيث أعلنت فصائل منظمة التحرير، في أكثر من مناسبة، موقفها بضرورة تحييد المخيمات الفلسطينية، كما أعلنت حركة حماس وقوفها إلى جانب الشعب السوري، لكن دون أن تؤيد انخراط الفلسطينيين في الصراع المسلح. بيد أنّ وجود فصائل فلسطينية خارج منظمة التحرير أدى، كما في كلّ مرة، إلى ارتفاع أصوات تلعلع خارج الإجماع الوطني، وتجرّ الشعب الفلسطيني إلى مغامرات سياسية وعسكرية، حيث برز من جديد اسم الأمين العام للجبهة الشعبية ـ القيادة العامة، أحمد جبريل. الذي كان قد عُرف بارتباطه العضوي بالنظام السوري، ومثّل ضربة للقرار الوطني المستقل على مدى نصف قرن من عمر مسيرة النضال الفلسطيني المعاصر.
بدأ جبريل بتأليف لجان مسلحة تحت الشعار البرّاق: «حماية المخيم وأهله»، بيد أنها صبّت فعلياً في خدمة النظام، من حيث رفع بعض العبء الأمني المتمثل في ضبط المخيمات، ومنعها من الانخراط في الحراك الثوري السوري. ونظراً إلى قلة عدد المنتسبين إلى هذا التنظيم في المخيمات الفلسطينية، عمد المسؤولون عنه إلى تأطير الكثير من شباب المخيّم، ومن هنا بالضبط بدأ سيناريو الزجّ بمخيّم اليرموك في الأزمة السورية، بعدما زُجت مخيّمات أخرى كما حصل في مخيّم درعا، ومخيّم الرمل الفلسطيني.
يعدّ مخيم اليرموك المدخل الجنوبي لمدينة دمشق، ويمثّل كتلة اقتصادية سياسية وثقافية فلسطينية، وعاصمة رمزية لفلسطينيي سوريا، نظراً إلى كونه أكبر تجمعات الفلسطينيين في الشتات، ونظراً إلى أهميته السياسية والاقتصادية وظروفه الاجتماعية تبلور اجماع على رفض التمركز المسلح للمعارضة فيه.
اختيار المخيم للدور الإغاثي الانساني نشأ من اعتبارات، أهمها عدم وحدة المعارضة السورية السياسية والمسلحة، وعدم وضوح موقفها من الفلسطينيين في سوريا، وانعدام البرنامج الذي يتطرق للقضايا الوطنية الفلسطينية وتعبيرها الأهم حق العودة، إضافة إلى تحول المناطق المجاورة التي سيطرت عليها المعارضة المسلحة إلى مناطق فارغة من سكانها، وإلى هدف دائم لنيران النظام. ولهذا اختار الفلسطينيون أن يكونوا فقط إلى جانب الشعب السوري ومطالبه في الحرية والديموقراطية.
لم ينظر النظام السوري بعين الرضى إلى هذا الدور الانساني، فعمد إلى القصف المتكرّر للمخيّم بقذائف الهاون، موقعاً عشرات الشهداء والجرحى، وصعّد أخيراً بقصف مخيم اليرموك بطائرات الميغ، مستهدفاً مسجداً يقع تماماً في وسط المخيم، وبالنظر إلى دموية القصف وعشرات الشهداء والجرحى بدأت غالبية أهالي المخيم بالخروج منه، أسهم في ذلك الشائعة التي انتشرت عن منح النظام السكان ساعتين للخروج قبل إعادة القصف، وبدء التدمير الشامل.
ذكّر مشهد الخروج من المخيم بالخروج الكبير للفلسطينيين بعد نكبتهم عام 1948، هذه المرة لم يكن لإسرائيل علاقة ظاهرية بهذه الهجرة، بل إن النظام السوري هو الذي أعلن بدء عقابه للفلسطينيين المتعاطفين مع اخوانهم السوريين، وبلغت عنجهية هذا النظام حتى مؤيديه في قصفه، بينما سيطرت المعارضة المسلحة على المخيّم في ما سمته «معركة تحرير المخيم»، التي لم تشهد اشتباكاً مسلحاً إلا في محيط مبنى الخالصة (المقرّ الرئيسي لتنظيم أحمد جبريل في مخيّم اليرموك) بعدما اتفقت اللجان الشعبية في غالبيتها مع المعارضة المسلحة على دخول المخيم دون أي معارك حقناً للدماء.
اليوم يعاني مخيم اليرموك من القصف الدائم، وانتشار القناصة ونقص المواد الطبية، والغذائية، والتموينية. ويخضع لحصار خانق من قبل النظام، الذي يمنع دخول هذه المواد إلى المخيم، بينما غالبية سكانه باتوا مشردين في شوارع دمشق ومدارسها، ومنهم من استطاع الوصول إلى لبنان، فيما اختار القليل البقاء في انتظار موت مشرّف يغنيهم عن مرارة التشرد وذلّ التهجير.
إن الخوف الأساسي من استهداف مخيم اليرموك، وبقية المخيمات الفلسطينية في سوريا، هو التأثير السياسي في ملف اللاجئين الفلسطينيين من ناحية شطب جزء أساسي هو لاجئو سوريا، بينما يبقى السؤال الأساسي مفتوحاً وحاداً وراهناً: ماذا ستفعل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، «الممثل الشرعي والوحيد»، لتجنيب فلسطينيي سوريا مصيراً مأساوياً كالذي شهده إخوانهم في العراق؟
* كاتب فلسطيني
13 تعليق
التعليقات
-
الشعب الفلسطيني أقوال بلا أفعالأحنا الشعب الفلسطيني مو عارفين على أي خازوق بدنا نقعد بدال منعد و ناقد بعض خلينا نلاقي شي حل لموضوعنا أول شي لاجئين بعدين مهجرين بعدين شو لوين بدنا نوصل خلينا نلاقي حل نرجع مخيمنا زي مكان و ترجع ليالي السهر ولسمر ياريت
-
للمعلقين أعلاهلماذا كل هذا الانحياز الأعمى للجيش الحر دون الأخذ بأي موضوعية .. بكل حال كافة المعلقين أعلاه ليس لديهم أي فكرة عما يحدث داخل المخيم ويتعاطون مع الحالة بشكل عاطفي متطرف مبتعدين عن التحليل المنطقي المشتق من الواقع والذي تطرحه المادة بشكل مجرّد ..كفاكم تهليلاً وقطيعية وفكروا بعقولكم ولو لثانية
-
طلعوا من بلدنا وما بدنا قضيكطلعوا من بلدنا وما بدنا قضيك ولا غيرها
-
يبدو أنَّ "الأخبار" ما زالتيبدو أنَّ "الأخبار" ما زالت مُصرَّةً على أن تكون " الرأي والرأي الآخر" فمن أصل خمسة تعليقات .. من قرَّائها .. هناك أربعة معترضة ومُنتقدة لما جاء في المقال .. خاصَّةً لجهة ما فيه من اتِّهاماتٍ ينفيها العقل والنَّقل والتَّحليل .. فلماذا ما يزال هذا المسلسل مستمرَّاً !!!.. ليس بالزُّورِ والبُهتان .. والسُّمِّ المدسوسِ بالعسل .. والتَّلفيق تِبعاً للأهواء .. يا "أخبار" يكون قبول الرَّأي الآخر .. بل بالموضوعيَّة .. وبالصِّدق حتَّى ولو كان جارحاً .. استفتوا غالبية الشَّعب السُّوري .. فستجدوا أنَّ شعبيَّة القيادة السُّوريَّة .. التي ما زلتم تُصرُّون على تسميتها .. من باب الطَّعنِ .. "نظام" وستكتشفون أنَّ الغالبية السَّاحقة .. هي مع هذه القيادة ..
-
نغمة استهداف الفلسطينيأولا- عدد سكان مخيم اليرموك 500 الف، اقل من ثلثهم فقط من الفلسطينيين. ثانيا- الفلسطينيون في سوريا متداخلين مع المجتمع السوري، ومن الطبيعي ان يكون بينهم من يؤيد النظام ومن يؤيد المعارضة. لماذا من المسموح للسوريين واللبنانيين والاردنيين وغيرهم ان ينقسموا حول الازمة السورية بينما يُطالب الشعب الفلسطيني من قبل طرفي النزاع السوري، بأن يكون له موقفاً واحداً موحداً وكانه شعب من الآلات؟!. ثالثا- رغم وقوف حماس مع المعارضة إلا أنها اكتفت بالدعم السياسي، وأي كلام سواء ذلك هو افتراء وكذب، والبينة على من ادعى. رابعاً- مع مرور الايام يتكشف كذب من كانوا يدعون انهم متحالفين مع حماس من أجل فلسطين ودعماً لمقاومتها.. مواقف هؤلاء المسموة ضد الشعب الفلسطيني بعد خلافهم مع حماس تثبت انهم لم يكونوا يوما مع فلسطين، كانوا فقط يستغلون قضيتها، وسيثبت الزمن انهم الخاسرون من انقلابهم عليها لا الشعب الفلسطسيني
-
شو منشانشو منشان انو الأستاذ ماهر أيوب الكاتب العظيم ما جاب سيرة الجيش الحر ودور باللي عم يصير بالمخيم, يعني بينفهم من حكيو انو النظام فاق الصبح وقرر هيك يقصف المخيم ويرمي شي نص مليون ناس بالشوارع حتى يتفرج عليهن ؟؟؟؟؟؟؟ ليش شو جاب البلا على المخيم غير محاولة الجيش الحر يسيطرو عليه ؟؟؟؟
-
"ماهر"!!! ايوب<لم ينظر النظام السوري بعين الرضى إلى هذا الدور الانساني، فعمد إلى القصف المتكرّر للمخيّم بقذائف الهاون، موقعاً عشرات الشهداء والجرحى، وصعّد أخيراً بقصف مخيم اليرموك بطائرات الميغ، مستهدفاً مسجداً يقع تماماً في وسط المخيم، وبالنظر إلى دموية القصف وعشرات الشهداء والجرحى> يعني هو "النظام السوري" نظر بعين السخط إلى الدور الإنساني لأهل المخيم وكان هذا السبب لكي يقصفه بالهاون ثم بالميغ؟! انو بس عشان نفهم عليك مظبوط,مثلا مثلا يعني : جاءت اخبارية لقيادة الأركان السورية ان عددا من اهل المخيم يقومون بإيواء نازحين سوريين في الجامع الفلاني,آم طلعت الميغ وقصفت الجامع؟! يا سيد "ماهر"!!! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
-
المقال لم يعكس ماحصل فيالمقال لم يعكس ماحصل في المخيّم بقدر ماعكس رغبة كاتبه فيما يودّ أن تكون الحال عليه ,كنّا هناك ومن منّا لم يكن هناك فحكما لديه أحد هناك ولديه صديق أو أخ أو قريب ,هل ضبط المخيّم ومحاولة عدم زجّه في المستنقع السوري فيه خدمة للنظام ؟! وهل حضرتك متلهّف لترى الدم الفلسطيني يسيل هنا أيضا؟ أوليس من الأفضل توفيره لمكان آخر كما الدم السوري هو الآخر الذي نتمنّى ألّا يسيل إلّا دفاعا عن أراضينا المحتلّة ثمّ لم الاصرار أن يتحدّث كلّ منكم بلسان الجميع فتحدّثت عن الشعب الفلسطيني وكأنّه شخصا واحدا ورأيا واحدا تجاه الأزمة السوريّة فإن كان كذلك فلم عجز الفلسطينيّون عن تشكيل موقفا واحدا يخرج المحتلّ من فلسطيننا ولم عشرات الفصائل الفلسطينيّة ولم عشرات التنظيمات المسلّحة ولم حكومتين ولم ..ولم ...!! أليس من المعيب أن تكون هناك مقاربة بين النزوح من المخيم والنزوح عن أرض فلسطين!اليس معيبا على الأخبار أن تسمح بتمرير هكذا عبارة عبر صفحاتها لترسخ في ذاكرة القارئ هذه المقاربة وهذه الرؤيا !!! ماهر أيّوب وصراحة لا أجد مايمكن أن أصف به هذا الكلام الذي أسمته الأخبار "رأيا "وإن أردتنا أن نتبنّاه فعلى الأقلّ أعطنا إحداثيات مدفع الهاون الذي كان يدكّ المخيّم من قبل النظام طالما أنت تعرف أن النظام من كان يقذفها أو فلتحترم عقل القارئ وتتواضع قليلا وتخبرنا أن الأمر مجرّد احتمال وتخبرنا ما هي مصلحته لعلّك تستطيع إقناعنا بوجهة نظرك !! مابالكم في الأخبار هل وصل الحال بكم إلى هذه الدرجة !مقال كهذا تعتبرونه رأيا وليس فيه سوى السمّ يقطر من قلم صاحبه .
-
- ذكر الكاتب دور احمد جبريل- ذكر الكاتب دور احمد جبريل الذي بيّض السجون الاسرائيلية من الاسرى الفلسطينيين عام 1985. - الكل يعرف أن منظمة التحرير هي اسم وهمي لا وجود فعلي له في الداخل و الخارج. - تناسى الكاتب دور بعض عناصر حماس بانخراطهم مع "الجيش السوري الحر. - ألم يقتحم المسلحون المخيم؟؟ أم أن اللجان الشعبية قاتلت خارج المخيم. - ان اختيار الميليشيات المسلحة لمخيم اليرموك بالذات "لتحريره" كمدخل للعاصمة دمشق يثير الكثير من الاسئلة و الشبهات. - يكفي أحمد جبريل أنه وفيّا لمبادئة و لمن احتضنه في السراء و الضراء.