[في وداع النائب السابق والقيادي في الحزب السوري القومي الاجتماعي غسان الأشقر، غيّبه الموت في 8 تموز الماضي]
يا خيي غسان، كيف لي أن أكتب عنك من دون أن أسألك رأيك كالعادة، وتصحح لي؟ أنت الذي لا نقدِرُ أن نرشقه بوردة، ولا بعطر ولا حتى بكلمة شعر. فكيف يختطفك المرض والموت؟ أنت الإنسان الذي تليق به الإنسانية. أنت المؤمن الذي يتوهّج معك الإيمان. مقدام شجاع صادق، وصدقك يخيف يا أخي. أنت الذي رفضت التبجح والتشاوف والمال والمظاهر والتجأت إلى الأرض وإلى الطبيعة. ولم تبغ لنفسك أي شيء من مطامع الدنيا كلها فبقيت خارجها. أنت الكريم المعطاء الذي لا ينظر إلى يده وهي تعطي ولا إلى قلبه وهو يحب.
يا غسّون الحبيب، يا القسم الأجمل من روحي، كيف استطعت توقيت رحيلك في الثامن من تموز يوم الفداء؟ هل حبك وإعجابك بسعادة وغضبك على كل ما نحن فيه وعليه دفعك إلى هذا الخيار؟ هل إعدامه ورفقتك لفكره وكتاباته ونبوغه وعقيدته جعلوك أقرب وأقرب له فصممت أن تكون معه في الثامن من تموز؟ يا له من برهان ويا له من توقيت يا أخي. لقد فعلتها ورحلت في الثامن من تموز. كيف لبى لك القدر هذا الطلب يا أخي الحبيب.


لقد تحمّلت الكثير الكثير ولكن أكثر ما يبرّد قلبي أننا كنا معك بحضور دائم وكان ذلك مهماً بالنسبة لك. عندما كنت ترى نظام عدة مرات في اليوم كنت تفتح عينيك وتؤدي له التحية وتنفرج أساريرك. وعندما كانت البنات هيا وياسمينة وميسم يقمن بزيارتك كنت تجلس وتقوم بدور العم المحب حتى لا يخفن من المرض والأوجاع. وكنت تفرح بهن وتحبهن وتحب وجودهن. وتنسى الدنيا. حبك لكل من تالا الحبيبة وعمر وخالد وطارق وتمارا وطارق وكريم، كان لكل منهم مكانة خاصة في قلبك. وريم ورجا، أولاد أمل الحاضرة دائماً في وجدانك. وفي آخر أيام زياراتي إلى المستشفى ومن دون مقدمات فتحت عينيك لدقائق ونظرت إلي بتلك النظرات العميقة التي حملت الكثير الكثير. نظرة طويلة كلها حنان وعطف وكأنك تقول لي وأنت تودعني: نينو لا تخافي يا أختي الحبيبة سأبقى معك دائماً. وستبقى.
وفي اليوم التالي، يوم السفر الأخير، كنت نائماً بهدوء لكنني أدركت أنك تستعد. تركتك ولم أشأ أن أشهد على ذلك، وانتظرت أنت حتى وصلتُ أنا إلى ديك المحدي. واطمأننت، ورحلت.
يا خيي غسان يا حبيبي وصديقي ومعلمي وموجهي. يا من ضحكت معه حتى الثمالة وبكيت معه وغضبت لغضبه. بقينا معاً في السراء والضراء، وقلنا الشعر وسمعنا الموسيقى والغناء مع صديقك وصهرك فؤاد وعشنا حياتنا مع نظام ورنا والعائلة الحبيبة الصغيرة والعائلة الكبيرة التي كانت حولك دائماً وفي كل المناسبات. أولاد عمك وعماتك وأولاد خالك وأولاد خالتك وأولادهم وأولاد أولادهم والأصدقاء والرفقاء. كانوا معك في كل المناسبات. حضورك كان كالنسمة المنعشة خاصة عندما كنت تأخذنا إلى الحديقة، كما كان يفعل والدنا قبلك، ترينا الأشجار شجرة شجرة وتروي لنا قصة كل واحدة وعلاقتك بها ومصدرها وقصة ثمارها.
أنت منارتي التي اهتديت بها وأنت قوتي التي ساعدتني على اجتياز الصعوبات وعلى الاستمرار. سوف نفتقدك جميعاً والحياة سوف تتغيّر من دونك. لن تكون الأشجار خضراء أبداً ولا السماء زرقاء. وأنت كنت تعرف ذلك وتتعب جهدك كي تظل معنا حتى لا تفجعنا. كنت وستبقى لولب حياتنا بعد رحيل الأسد واللبوة وابنة الأسد. هالني أن ترحل أنت أيضاً. قلبي معك يا خيي الحبيب أينما كنت وإني على يقين أنك تحرسنا جميعاً وتساعدنا وترشدنا. رافقتك محبتنا والسلام عليك إلى الأبد.

* مسرحية لبنانية