غادرنا الأمين غسان الأشقر من دون ضجة، فهو يُفضّل الصمت والسكون على الصراخ والعويل. تميّزت شخصيته الغنية المتعددة الأبعاد بأنها شملت العمل السياسي والنضال الحزبي والاهتمام الفكري. فكان منحازاً إلى الثقافة والالتزام بالنهضة وبتراث أنطون سعادة. فأحب الكتاب والناس فجالسهما بمودة وفضلهما على معاشرة السياسيين والمسؤولين والوجهاء ورجال الأعمال والمال. أحب الطبيعة لأنها أقرب إلى قلبه، ولأنها تُوفر الانسجام بين أشجارها وعصافيرها وأصواتها، فتستكين روح غسان في التأمل والتفكير بعيداً من الثرثرة والجدل غير المجدي والأحاديث التي تقتل الوقت ولا تُفيد.عاش في بيتٍ شهد أحداثاً تاريخية ومعارك انتخابية وسياسة وحزبية. حافظ غسان على هذا الإرث الغني، وفي الوقت نفسه حافظ على سلوكه الإنساني المميز، فلم تُغرِهِ مناصب، ولم تستهوِهِ مراكز، ولم يُشارك في مهاترات، ولم يسعَ إلى مكسب مادي أو مغانم غير شرعية، ولم يتوجهن ويتشوفن، ولم ينجرف في عالم الاستهلاك والمظاهر الفارغة، فكان دائماً منسجماً مع نفسه، فامتاز بسلوك متواضع عفوي صادق، هاجسه الفكرة والمعنى وليس المال ومفاسده.
برحيله، خسرت الحركة القومية الاجتماعية قائداً طلّق السلطة والجاه طوعاً، واختار بوعيه وإرادته التفتيش عن معنى الحياة الجديدة، فكان الإنسان الجديد الذي يعمل بصمت من أجل نهضة تجسّد قيم الحق والخير والجمال.

* كاتب وناشر لبناني