أنهت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» أعمال مؤتمرها الوطني الثامن، الذي نجحت قيادة الجبهة بعقده رغم تعقد الظروف وصعوبتها داخل الوطن وخارجه، والتي تجعل من مهمة انعقاده مهمة صعبة احتاجت إلى إرادة وتصميم منقطع النظير. على هامش نتائج المؤتمر، من المهم التوقف أمام مجموعة من النقاط، وهي مؤشرات تدلل على أن الجبهة الشعبية تخطو خطوات استراتيجية تجاه استكمال النهوض والتقدّم والتحديث المتمسك بصلابة الموقف ووضوح البوصلة مع تطوير للبرامج والآليات بما يتلاءم مع تطورات المشهد الفلسطيني والإقليمي والدولي.- جدّدت «الشعبية» هيئاتها القيادية بنسب واسعة في الداخل والخارج، تضمّن هذا التجديد تنوّعاً مُلفتاً في التوزيع التخصصي والعمري، مع التمييز الإيجابي الملموس للشباب الذين كان لهم حصة مميزة في الحضور بعضوية اللجنة المركزية العامة الجديدة.
- شهدت عضوية المكتب السياسي، وهو الهيئة القيادية المُلقى على عاتقها قيادة العمل التنفيذي للجبهة في كل ميادين ومجالات العمل، تجديداً واسعاً وصل لنسبة 70% من إجمالي عضوية المكتب السياسي، مع تغيير نوعي في العديد من الساحات، آخذاً بعين الاعتبار أهمية تكامل الأجيال ومزاوجة الخبرة مع التجديد والتحديث.
- التجديد بالانتخاب والثقة للأمين العام للجبهة أحمد سعدات هو تأكيد على التمسك بخيار سعدات الذي حمل على عاتقه خيار الرد على اغتيال الأمين العام السابق الشهيد أبو علي مصطفى وخيار المواجهة والمقاومة، وهو الأمين العام صاحب الجملة الشهيرة «أينما نكون، تكون ساحة المواجهة»، وهو نموذج حي على التضحية منقطعة النظير، المتمسكة بالإيمان المطلق بحتمية النصر.
- دلالات انتخاب نائب للأمين العام للجبهة متواجد داخل فلسطين المحتلة، وبشكل خاص في قطاع غزة، يؤكد الإيمان الحقيقي للجبهة وقيادتها بمحورية ومركزية الداخل واعتبار غزة رأس حربة في قيادة المشروع الوطني الفلسطيني.
- طبيعة شخصية وديناميكية وإقدام نائب الأمين العام الجديد للجبهة الرفيق جميل مزهر، الذي قاد فرع الجبهة في قطاع غزة على مدار السنوات السابقة بإقدام وكفاءة عالية قفز فيه الفرع قفزات مهمة في الحضور والفعل، إضافة لتمتّعه بحضور سياسي وجماهيري متميز وبخطاب متماسك ومواقف سياسية صلبة، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن تقدّمه لموقع نائب الأمين العام سيكون له عظيم الأثر في توسع وتعاظم الفعل الجبهاوي بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة على كل الأصعدة.
- يشمل المكتب السياسي الجديد للجبهة في عضويته مجموعة من الأسماء التي لها مساهماتها المتميزة على الصعيد الكفاحي والتنظيمي والأدبي والثقافي والتضحوي، فهو يضم في صفوفه أسرى محررين وأدباء وكُتّاباً ومهنيين، إضافة لعناوين تنظيمية لهم إسهامات متميزة تعرفها قواعد الجبهة جيداً، وبالتالي هي هيئة متميزة وفريدة يُعول عليها الكثير في المستقبل.
ستشكل نتائج المؤتمر خطوة استراتيجية للأمام في إطار استكمال الجبهة لمشروع استعادتها لدورها الطليعي


- شهد هذا المؤتمر تنحي عناوين تاريخية وازنة، أبرزهم الدكتورة مريم أبو دقة، النموذج النسوي الثائر، التي عرفتها كل ميادين الفعل وتركت كل مواقعها القيادية طواعية. إضافة للرفاق التاريخيين نائب الأمين العام السابق أبو أحمد فؤاد، وأعضاء المكتب السياسي ماهر الطاهر وأبو علي حسن وليلى خالد، الذين غادروا عضوية المكتب السياسي واحتفظوا بعضويتهم في اللجنة المركزية العامة ليشاركوا رفاقهم الخبرة التاريخية والحكمة وصناعة السياسيات، مع إفساح المجال للكادر للتقدّم. فالجبهة كعادتها تقدّم نموذجاً يحتاج الكثير من التنظيمات والأحزاب في الساحة الفلسطينية والعربية أن تأخذه قدوة، في احترام قيادتها التاريخية لأهمية التجديد وإفساح المجال للأجيال الشابة. وهي سنة ثبّتها مؤسس الجبهة الحكيم جورج حبش عندما تنحّى عن الأمانة العامة للجبهة طواعية لإفساح المجال للأجيال القادمة، وقد تبعه على ذات الدرب العديد من الكوادر التاريخية في كل مؤتمر وطني تعقده الجبهة.
- مخرجات المؤتمر ثبتت بوضوح الخطوط الأساسية في برنامج الجبهة السياسي والكفاحي، حيث أكدت على أن الكفاح المسلح هو الخيار النضالي الاستراتيجي الذي يُمثّل رأس حربة مشروع التحرير مع التأكيد على كل أشكال وأدوات النضال والكفاح، والتمسك بفلسطين التاريخية من نهرها إلى بحرها كخيار استراتيجي لا تراجع عنه ولا تفاوض عليه، وقدسية حق العودة وأولوية تحرير الأسرى، مع التأكيد على مواجهة برنامج الاستسلام والتفاوض الذي يشكل أوسلو أساساً له، والذي يجب تفكيكه ومغادرته بلا عودة. إضافة للتمسك بإصلاح منظمة التحرير وإعادة الاعتبار لها ولدورها كممثل للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وإنهاء حالة التفرد والتهميش التي تعاني منها حالياً، واعتبار مهمة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية مهمة مركزية تعمل قيادة الجبهة على تحقيقها.
ختاماً، ستشكل نتائج المؤتمر خطوة استراتيجية للأمام في إطار استكمال الجبهة لمشروع استعادتها لدورها الطليعي والطبيعي في قيادة المشروع الوطني جنباً إلى جنب مع كل الحريصين من القوى والفصائل وأبناء شعبنا في كل أماكن تواجده، وستُشكل إضافة نوعية على طريق استنهاض الحالة الوطنية الفلسطينية، واليسارية التقدّمية العربية والعالمية، ونموذجاً يسارياً تقدّمياً يجدد نفسه وهيئاتها ويحدث برامجه بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة، وينهض من تحت الضربات قوياً متماسكاً مؤمناً بحتمية الانتصار.

* عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين