كرّست في بنودها حقيقة أنّه لا يمكن فصل الانتماءات عن بعضها البعض في القضايا المركزية الوطنية للإنسان. الوثيقة الوطنية، التي أصدرتها الحركة الوطنية في الجولان في 25 آذار من عام 1981، قضت على أي ثغرة يعتمدها العدوّ للفصل بين الواجبين الديني والوطني، فمزجت كلماتها وبنودها بين العقيدة الدينية والانتماء الوطني والقومي، لتصبح أكثر قوة ممّن صاغها ووقّع عليها وتبنّاها، ومرجعيةً لا يمكن تجاوزها للحركة الوطنية وللمجتمع. رسّخت الوثيقة مفاهيم «حفظ الإخوان والنهي عن المنكر»، التي يتم تداولها في الجلسات الروحية الدينية، ووضعتها في جوهرها الحقيقي كسلوك يعبّر عنه بالوفاء العميق للوطن.كفعل نضالي استباقي، مبني على معلومات عن نيّة العدو الصهيوني إصدار قرار ضم الجولان قانونياً لسيادة كيانه المصطنع، صيغت الوثيقة في قرية مجدل شمس، باجتماع مصغّر لجزء من الناشطين، ومنهم من يعتبرون من قيادة الحركة الوطنية حينه. صاغها أحد المناضلين مستمدّاً مضمونها من الذهنية الجمعيّة التي أثبتت فعلها خلال مرحلة النضال التي ابتدأت بعد الاحتلال عام 1967، وتم اعتمادها بين الحضور ليتم التوجّه في ما بعد لتوقيعها من وجهاء الجولان الوطنيين في القرى الأربعة (مجدل شمس، بقعاثا، مسعدة، عين قينية)، ليُعلن عنها في 25 آذار كوثيقة وطنية ملزمة للسكان في الجولان العربي السوري المحتل.

«الحرم الديني والاجتماعي»... سابقة فريدة من نوعها
في ظلّ الغياب القسري للسيادة الوطنية، استطاعت الوثيقة أن تكون مرجعية قانونية دينية وطنيّة للقصاص من الخارجين عن الصفّ الوطني، وتجلّى هذا في استعمال سلاح الحرمان الديني والاجتماعي الذي يعبّر عنه البند رقم 8 في الوثيقة: «- قرّرنا قراراً لا رجعة فيه، وهو كل من يتجنّس بالجنسية الإسرائيلية، أو يخرج عن مضمون هذه الوثيقة، يكون منبوذاً ومطروداً من ديننا، ومن نسيجنا الاجتماعي، ويحرّم التعامل معه، أو مشاركته أفراحه وأتراحه، أو التزاوج معه، إلى أن يقرّ بذنبه ويرجع عن خطئه، ويطلب السماح من مجتمعه ويستعيد اعتباره وجنسيته الحقيقة»، وهو ما شكّل سابقه فريدة من نوعها.
في الحقيقة، لا يمكن لأيّ مجتمع تحقيق نتائج لصالحه بلا قيادة وطنية صادقة، كقيادة الحركة الوطنية في الجولان. وسرّ المعادلة في تحقيق إنجازات، هو توأمة الفعل والالتزام لأغلب المواطنين، إذ كانت قيادة الحركة الوطنية، من رجال دين وزمنيين، يتوازون في عمق صدق الموقف، فاستطاعت الوثيقة، التي أصبحت دستوراً وطنياً، إضعاف المصالح العائلية الضيّقة، والتحصين بوجه ذر بذور أي فتنة، فكرّست مفهوم الوحدة النضالية التي يخضع لها شرائح المجتمع كافة.
()


لا يمكن تغيير بنودها أو تعديلها، فبعد لحظة إصدارها وتعميمها باتت أقوى ممّن صاغها ووقّع عليها وتبنّاها، وستبقى دستوراً وطنيّاً إلى يوم التحرّر من الاحتلال وعودة السيادة الوطنية للدولة الأمّ سوريا إلى أراضي هضبة الجولان. وهنا النص الكامل لـ«الوثيقة الوطنية لسكان المرتفعات السورية المحتلة»:

«نحن المواطنون السوريين في المرتفعات السورية المحتلة، نرى لزاماً علينا أن نعلن لكافّة الجهات الرسمية والشعبية في العالم أجمع، ولمنظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها، وللرأي العام العالمي، وكذلك الإسرائيلي، ومن أجل الحقيقة والتاريخ، بصراحة ووضوح تامّين، عن حقيقة موقفنا من الاحتلال الإسرائيلي ودأبه المستمر على اقتلاع شخصيتنا الوطنية، ومحاولة ضمّ الهضبة السورية المحتلة حيناً، وتطبيق القانون الإسرائيلي علينا حيناً آخر، وجرّنا بطرق مختلفة للاندماج بالكيان الإسرائيلي والانصهار في بوتقته، ولتجريدنا من جنسيتنا العربية السورية التي نعتز ونتشرّف بالانتساب إليها، ولا نريد عنها بديلاً، والتي ورثناها عن أجدادنا الكرام الذين تحدّرنا من أصلابهم وأخذنا عنهم لغتنا العربية التي نتكلّمها بكل فخر واعتزاز، وليس لنا لغة قومية سواها، وأخذنا عنهم أراضينا العزيزة على قلوبنا وورثناها أباً عن جد منذ وجد الإنسان العربي في هذه البلاد قبل آلاف السنين أراضينا المجبولة بعرقنا وبدماء أهلنا وأسلافنا، حيث لم يقصّروا يوماً في الذود عنها وتحريرها من كل الغزاة والغاصبين على مرّ التاريخ، والتي نقطع العهد على أنفسنا أن نبقى ما حيينا أوفياء ومخلصين لما خلّفوه لنا منها، وألا نفرّط منها بشيء منه مهما طال زمن الاحتلال الإسرائيلي، ومهما قويت الضغوط علينا من السلطة المحتلة لإكراهنا أو إغرائنا لسلب جنسيتنا، ولو كلفنا ذلك أغلى التضحيات، وهذا موقف من البديهي والطبيعي جدّاً أن نقف موقف كل شعب يتعرض كله أو جزء منه للاحتلال، وانطلاقاً من شعورنا بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا تجاه أنفسنا وأبنائنا وأجيالنا القادمة أصدرنا هذه الوثيقة:
1- هضبة الجولان المحتلة هي جزء لا يتجزأ من سورية العربية.
2 - الجنسية العربية السورية صفة حقيقية ملازمة لنا لا تزول وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء.
3- أراضينا هي ملكية مقدسة لأبناء مجتمعنا السوريين المحتلين، وكل مواطن تسول له نفسه أن يبيع أو يتنازل أو يتخلى عن شبر منها للمحتلين الإسرائيليين يقترف جريمة كبرى بحق مجتمعنا وخيانة وطنية لا تغتفر.
4- لا نعترف بأي قرار تصدره إسرائيل من أجل ضمّنا للكيان الإسرائيلي ونرفض رفضاً قاطعاً قرارات الحكومة الإسرائيلية الهادفة إلى سلبنا شخصيتنا العربية السورية.
5- لا نعترف بشرعية المجالس المحلية والمذهبية، لكونها عُيّنت من قبل الحاكم العسكري الإسرائيلي وتتلقى تعليماتها منه، ورؤساء وأعضاء هذه المجالس لا يمثّلوننا بأي حال من الأحوال.
6 - إن الأشخاص الرافضين للاحتلال من خلال مواقفهم الملموسة والذين هم من كافة قطاعاتنا الاجتماعية، هم الجديرون والمؤهّلون للإفصاح عما يختلج في ضمائر ونفوس أبناء مجتمعهم.
7 - كل مواطن من هضبة الجولان السورية المحتلة، تسول له نفسه استبدال جنسيته بالجنسية الإسرائيلية يسيء إلى كرامتنا العامة وإلى شرفنا الوطني وإلى انتمائنا القومي وديننا وتقاليدنا ويعتبر خائنا لبلادنا.
8 - قررنا قراراً لا رجعة فيه، وهو كلّ من يتجنّس بالجنسية الإسرائيلية، أو يخرج عن مضمون هذه الوثيقة، يكون منبوذاً ومطروداً من ديننا، ومن نسيجنا الاجتماعي، ويحرّم التعامل معه، أو مشاركته أفراحه وأتراحه، أو التزاوج معه، إلى أن يقرّ بذنبه ويرجع عن خطئه، ويطلب السماح من مجتمعه ويستعيد اعتباره وجنسيته الحقيقة.
لقد اعتمدنا هذه الوثيقة مستمدّين العزم من تراثنا الروحي والقومي والإنساني الأصيل، الذي يحضّنا على حفظ الأخوان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والوفاء العميق للوطن.
25/3/1981
جماهير الجولان السوري المحتل