22 أيلول 2020، نشر مبعوث الكيان الصهيوني لدى الأمم المتحدة، ووزير الأمن الداخلي الصهيوني الأسبق جلعاد أردان، تغريدةً عبر حسابه في منصة «تويتر»، تحدث خلالها عن لقاءٍ جمعه مع ممثلة دولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، لانا نسيبة، وذلك عقب شهرٍ و10 أيامٍ من توقيع نظامَي الإمارات والبحرين «اتفاق أبراهام» التطبيعي مع الكيان الصهيوني، تناول الاثنان في لقائهما التعاون في مجالات: مكافحة «الإرهاب» الإلكتروني، وتمكين المرأة وغيرهما. هذا الخبر الذي نستعيده اليوم وأهل القدس في الشوارع يتحدّون الاحتلال، قد يبدو «عادياً وطبيعياً». على خلفيّة اللقاءات الإماراتية – الصهيونية الرسمية المشتركة، بعد توقيع الاتفاق، والتي يصعب إحصاؤها لكثرتها. لكن الحديث هنا يتشعّب، ويأخذنا إلى ما هو أبعد من لقاء مسؤولٍ عربيٍ رسمي مع آخر صهيوني. جلعاد أردان رأس حربة اليمين الصهيوني في استهداف الحالة الشعبية في القدس، والرباط في المسجد الأقصى المبارك. أمّا لانا نسيبة، فهي تلك التي تنتمي إلى أسرةٍ مقدسية، اختار بعض أفرادها الولوج في وحل التطبيع العربي – الصهيوني، متخذين من اسم عائلتهم المقدسية القديمة بوابةً لاختراق الحالة الشعبية المقدسية (إماراتياً). أردان يهوديٌّ هنغاري، ولد في عسقلان المحتلة عام 1970، وانضم بعد عام 1997 إلى حزب الليكود اليميني الصهيوني، ولكن الدور الذي بدأ بلعبه هو استهداف المقدسيين والمسجد الأقصى، إذ كان شغله الشاغل خلال فترة عمله كوزير للأمن الداخلي، وعضو في مجلس الأمن المصغر (الكابينت)، وذلك في الفترة بين عامي 2014 و2018، وهي الفترة التي شهدت الاستهداف الأكبر للمسجد الأقصى بالتهويد والتقسيم، والحالة الشعبية في المسجد.
في 25 آب 2015 توجه أردان بطلبٍ رسميٍ إلى حكومة الاحتلال متضمناً توصيف حالة الرباط في المسجد الأقصى، باعتباره «تنظيماً» ومن ثم اعتبار هذا التنظيم «إرهابياً».
وفي 9 أيلول/ سبتمبر 2015 أصدر وزير داخلية الاحتلال موشيه يعالون، وبتوصيةٍ من أردان قراراً يقضي بحظر مصاطب العلم، والمؤسسات الفلسطينية المشرفة على المشروع في المسجد الأقصى. وفي شهر حزيران/ يونيو عام 2018، قال أردان في حوار صحافي أجراه إنّه «فخورٌ» بما أجراه من تغييرات في الوضع القائم في المسجد الأقصى لمصلحة جماعات المعبد الصهيونية. وفي 12 آذار/ مارس 2019، صرّح أردان في لقاءٍ ملتفزٍ أنّه سيبذل كل جهوده لإعادة إغلاق مصلى باب الرحمة، ليستحق بكل جدارة لقب «وزير محاربة المسجد الأقصى».

لانا نسيبة وعائلتها
قبل أن تشغل نسيبة مهمة مندوبة دول الإمارات لدى الأمم المتحدة عام 2013، عملت باحثةً في دراسات الأمن والإرهاب في مركز الخليج للأبحاث. وعام 2014 حصلت على درجة الماجستير من جامعة (لندن) في رسالةٍ كتبتها في الدراسات الإسرائيلية والشتات اليهودي. تعود أصولها إلى مدينة القدس. عائلة نسيبة من العائلات المقدسية المعروفة، وجدها أنور نسيبة، إحدى الشخصيات النخبوية الفلسطينية في القدس خلال فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين، إذ عمل مسؤولاً لدائرة الأراضي في القدس عام 1936، ومن ثم قاضياً في الناصرة، وخلال معارك حرب عام 1948 فقد نسيبة قدمه خلال القتال في معارك القدس، وتتحدث بعض المصادر عن عمله مع عبد القادر الحسيني، في جيش الجهاد المقدّس.
بعد مجازر جنين وطولكرم ورام الله، تمخّضت لقاءات سري نسيبة وعامي أيالون، عمّا يُعرف بوثيقة «نسيبة – أيالون» حول «التسوية السلمية للقضية الفلسطينية»


وفي تشرين الأول عام 1948، تمّ تعيين أنور نسيبة أميناً عاماً في حكومة عموم فلسطين، في مدينة غزة، وبعد انهيار الحكومة عاد نسيبة إلى القدس، ودخل في جسم الدولة الأردنية، ضمن هيئة وحدة الضفتين، التي شكّلتها الحكومة الأردنية. وعام 1951 عمل نسيبة ضمن لجنة الهدنة الأردنية – الإسرائيلية، وتدرّج نسيبة في عددٍ من المناصب الرسمية الأردنية كعضوية مجلسَي الأعيان والنواب حتى عام 1967. بعد نكسة حزيران 1967 عمل أنور نسيبة مع العاملين على تأسيس الهيئة الإسلامية العليا، وبحسب الصحافي الأميركي جوناثان بوردر في مقالٍ كتبه بعد تشييع جنازة أنور نسيبة بعدة أيام- نُشر في صحيفة «شيكاغو تريبيون»- فإنّ نسيبة قد أشرف بعد عام 1967 على محادثاتٍ سريةٍ بين النظام الأردني والكيان الصهيوني للحديث عن تسوية سلمية لموضوع مدينة القدس، خلال أي مفاوضات «سلام» مقبلة بين الطرفين، وحافظ نسيبة خلال تلك الفترة على اتصالات شبه مستمرة مع عددٍ من المسؤولين الصهاينة مثل رئيس بلدية الاحتلال في القدس تيدي كوليك، ووزير داخلية الاحتلال موشيه دايان. وفي وثائق «ويكيليكس»، وتحديداً تلك الوثائق الدبلوماسية المتعلقة بفترة الرئيس الأميركي جيمي كارتر، والصادرة بتاريخ 19 تشرين ثاني/ نوفمبر 1977، وهي عبارة عن رسالة من سفارة أميركا في تل أبيب إلى وزارة الخارجية الأميركية، ورد اسم أنور نسيبة ضمن الحضور، وصنّفته الرسالة كواحدٍ من رجال الملك حسين في القدس. أما والد لانا نسيبة فهو زكي نسيبة، وهو أحد أبناء أنور نسيبة، والذي ولد في القدس، وبعد حصوله على درجة الماجستير في الاقتصاد من جامعة (كامبريدج). استقر نسيبة في الإمارات عام 1967، أيّ قبل نشوء دولة الإمارات بـ4 سنوات، وبدأ العمل بالصحافة مع عددٍ من الصحف والمجلات البريطانية مثل: «ذي إيكونوميست» و«فاينينشال تايمز» وشبكة «بي بي سي العربية» الإخبارية.
ومع تأسيس حكومات ومشيخات في الإمارات، انضم زكي نسيبة إلى حكومة أبو ظبي، وبدأ العمل في وزارة الإعلام فيها. وبعد تأسيس الإمارات العربية، عمل نسيبة مديراً للمعلومات والعلاقات العامة في وزارة الإعلام الإماراتية. وفي عام 1975 أصبح زكي نسيبة مدير المكتب الإعلامي لدى الشيخ زايد، حاكم الإمارات، واليوم هو المستشار الثقافي لرئيس دولة الإمارات.

رجل دحلان في القدس
سري نسيبة هو عمّ لانا نسيبة، وشقيق زكي نسيبة، ولد في دمشق عام 1949، قبل أن تعود أسرته إلى القدس، وأكمل دراسته الجامعية في بريطانيا، كما الحال مع والده وأخيه، وابنة أخيه. وبعد عودته إلى القدس عام 1978، عمل نسيبة مدرساً في جامعة بيرزيت، ونشط في عددٍ من اللجان والنقابات الفلسطينية.
مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، عمل نسيبة ضمن القيادة الموحّدة للانتفاضة التابعة لحركة فتح في القدس. لكن الدور الأبرز له برز بعد عام 1991، كجزء من الفريق الفلسطيني المفاوض ضمن مؤتمر مدريد للسلام، الذي كان يهدف إلى تسوية سلمية للقضية الفلسطينية، وإقامة سلطة حكم ذاتي فلسطيني.
وبالعودة إلى ما قبل عام 1991 فقد كان لسري نسيبة دورٌ آخر مختلف تماماً عن قيادة الانتفاضة الشعبية في القدس، ففي نهاية آب/ أغسطس من عام 1987 تم الإعلان عن وثيقة مبادئ تتضمن حلاً سلمياً للقضية الفلسطينية، تمخّضت عن لقاءاتٍ مطولة بين عددٍ من الشخصيات المقدسية من ضمنها سري نسيبة، مع عضو حزب «الليكود» الصهيوني اليميني، وأسّست لما بعدها من وثيقة عباس – بيلين التي أسّست لاحقاً لـ «اتفاقية أوسلو».
وفي عام 1991 أصدرت مؤسسة الدراسات الفلسطينية كتاباً تحت عنوان «من دون أبواق من دون طبول» من تأليف سري نسيبة، والأكاديمي الصهيوني مارك إي تايلر الذي تحدث عن أطروحة حل الدولتين كتسوية سلمية للقضية الفلسطينية، بدون عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هُجروا منها عام 1948. عقب توقيع «اتفاقية أوسلو» وقدوم السلطة عمل سري نسيبة مديراً لجامعة القدس – أبو ديس، وذلك منذ عام 1995، كما عمل مسؤولاً لملف القدس لدى منظمة التحرير الفلسطينية، وسلطة أوسلو، بين عامَي 2002 و2003.
وخلال سنوات الانتفاضة الثانية «انتفاضة الأقصى»، وخلال الفترة التي تلت مجازر قوات الاحتلال في مخيم جنين وطولكرم ورام الله وغيرها، ضمن عملية «السور الواقي»، وبعد لقاءات عدة بين سري نسيبة، ومسؤول «الشاباك» السابق عامي أيالون في أثينا ومناطق عدّة في فلسطين المحتلة، أصدر في 19 حزيران/ يونيو 2002، ما يُعرف باسم وثيقة «نسيبة – أيالون» والتي تضمنت بنوداً خطيرةً حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، أما في ما يتعلّق بملفَّي القدس واللاجئين، فاقترحت الوثيقة تعويض اللاجئين الفلسطينيين، وفتح باب الهجرة لليهود إلى فلسطين بشكل موسّع، في مقابل عودة اللاجئين الفلسطينيين. أما القدس، فقد اقترحت الوثيقة بأن تكون عاصمة للدولتين، مع إقرار السيطرة الصهيونية على الأجزاء المحتلة من القدس، منذ عام 1948، وتمثل البند الأخطر في الاتفاقية، ببند المسجد الأقصى، إذ اقترحت الوثيقة، اقتطاع الحائط الغربي منه «حائط البراق»، كحق خالص لليهود، وانتقال إدارة المسجد الأقصى إلى إدارة فلسطينية جديدة، أما الدولة الفلسطينية، فقد اقترحتها الوثيقة منزوعةَ السلاح.
تزامنت هذه الأطروحة وغيرها، مع عددٍ من الأفكار والتصريحات التي بثّها سري نسيبة في العديد من حواراته الصحافية، والتي تنكّرت لحق العودة، ونعتت العمليات الاستشهادية الفدائية بـ «اليأس المتطرف»، وجاء ذلك مثلاً في تصريحاتٍ نقلتها عنه مجلة الوعي اللبنانية، عن حوارٍ أجراه مع صحيفة دير شبيغل الألمانيّة.
وبعد انتفاضة الأقصى، واصل سري نسيبة لقاءاته التطبيعية مع أكاديميين صهاينة، بذرائع واهية، ومن تلك الأنشطة مشاركته وتنظيمه بتاريخ 12 كانون الأول 2011، لمؤتمرِ تطبيعيٍّ في فندق «الإمباسدور» في القدس تحت عنوان «الاتحاد الكونفدرالي الفلسطيني الإسرائيلي)، والذي دعت القوى الإسلامية والوطنية في القدس إلى مقاطعته، وأدانت الفعّاليات الشعبية نسيبة، ودعا الناشط والأسير المقدسي المحرر راسم عبيدات لفصل نسيبة من منظمة التحرير الفلسطينية واتخاذ إجراءات صارمة بحقه.
وبطبيعة الحال وبعد عدة سنوات، وربما منذ سنواتٍ عديدة وجدت الإمارات أداتها للعمل في الساحة الفلسطينية محمد دحلان، وتجسّد ذلك في عقد سري نسيبة لاتفاقية مع صندوق أبو ظبي للتنمية، لتمويل المجلس بمبلغٍ مقداره 12 مليون دولار، وبذلك وطّدت الإمارات ومحمد دحلان من قبضتهما في القدس، إذ عمل المجلس على تمويل العديد من المؤسسات والجمعيات الأهلية في القدس.
وما يشير إلى وجود علاقة وظيفية وطيدة بين دحلان وسري نسيبة، هو ما أدلى به الأخير من تصريحاتٍ حول ما نشره الصحافي الصهيوني يوني بن مناحيم، من معلوماتٍ حول علاقته بدحلان وأنشطته، إذ وصف سري نسيبة محمد دحلان بالداعم لصمود المقدسيين، وذلك في عدة تصريحات صحافية نُشرت في 24 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2020.
* مُعِد في مؤسسة القدس الدولية

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا