قبل أن يندِّد أو يهدّد طائفة لبنانية بأكملها، كان حريّاً برأس الجمهورية الفرنسية الثالثة أن يتناول في خطابه الطويل (ساعة ونصف) مساء الأحد 27/09/2020 أُسس الفساد في لبنان؛ وبؤَرَه العميقة التي أسّست لما وصلنا إليه، مثل السرقة «المقونَنة» لحقوق وأملاك اللبنانيين وأهل بيروت، خاصة عبر شركة «سوليدير»، وما أفرزته من ثنائيات المال الحرام والسياسة الدنيئة والمنتشرة في كل مفاصل الدولة اللبنانية، وما أنتجته من نظام عميق للمصارف التي نهبت الدولة المدينة لها، عبر الفوائد الفاحشة التي كانت تتقاضاها بإشراف ومباركة رياض سلامة المحمي كخطّ أحمر من مرجعية طائفته منذ ثلاثين عاماً.وكان حريّاً بالسيد ماكرون أن يكشف، بالأسماء والأرقام، عن أموال السياسيين اللبنانيين المهرّبة إلى المصارف الفرنسية، الأوروبية خصوصاً، منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وما سبق من ثروات ضخمة متضخّمة ومحمية بقوانين فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، قبل أن يحرّض اللبنانيين على إخوانهم، بشكل مباشر ووقح وسافر، مجافياً بذلك حقيقة الفساد المستشري منذ مجيء الحريرية السياسية إلى الحكم، عام 1992، والانهيار الذي وصل إليه لبنان الآن، الذي هو بسبب الأساس المكين والمستمر لتلك السياسة التفقيرية، لدرجة انعدمت فيها الطبقة الوسطى من لبنان.
وكان الأحرى بماكرون أن يكون نبيلاً أكثر، ومخلصاً لمبادئ الثورة الفرنسية أكثر وأكثر، وأن يحفظ دورس التاريخ جيداً، ويتواضع ويحترم الذين حرّروا لبنان بدمائهم وأشلائهم في قانا وغيرها، فضلاً عن تدمير قراهم ومدنهم وتهجيرهم وتشريدهم على مدى ثلاثين عاماً، وحتى عام 2006، من قبل إسرائيل، فهؤلاء هم أنفسهم الذين يتّهمهم، اليوم، بالإرهاب، وبخطف البلد مرة أخرى من غير دليل ولا وجه حق.
فهل هذه أخلاق الثورة الفرنسية (1789ـــــ 1799) وقيَم ومفاهيم نشيدها الوطني، الذي كتبه كلود جوزيف روجيه دي ليزلي عام 1792، والمعروف بـ«لا مارسييز»؟ أم هي العصا الأميركية المقنّعة كوجه آخر للعقوبات المالية والتجارية المستمرّة على قاعدة توزيع الأدوار لضرب هدف واحد؟!
أيّها السيد الفرنسي؛ الفرنسيون الثوار الذين اقتحموا حصن الباستيل الملكي، عام 1789، ليسوا أشرف ولا أشجع منّا، إذا ما فُرض علينا التغيير الثوري كطريق لا مفر منه، لكنّنا حتى الآن نريد حكومة لإنقاذ لبنان وليس لإنقاذ ماكرون... لهذا أيها الرئيس المحترم، اقرأ التاريخ جيداً، وتفحّص الجغرافيا في الواقع وليس على الخريطة، ولا تنظر بعين واحدة كانت أشعلت لبنان بحرب أهلية مقيتة امتدت خمسة عشر عاماً، ولا تسمع بأذن كانت للأمس القريب صاغية عند الإسرائيلي إلى حدّ الطاعة العمياء، لأنّه إذا ما وقعت الواقعة، فإنّك لن تكون نابليون الذي ورث الثورة الفرنسية، وأخشى أنك ستنادي بأقل ممّا ناديت به اليوم؛ ولكن ليس من مجيب.

*كاتب وشاعر وروائي لبناني

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا